للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل صلاة الجماعة وأهمية المحافظة عليها]

ومن الأحاديث المذكورة: حديث لـ أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه الحث على صلاة الجماعة، إذ أن صلاة الجماعة واجبة على الرجل، ولذا ينبغي أن يذهب إليها حيث ينادى بالصلاة، ولابد أن يعلم أن أمر صلاة الجماعة من الأهمية بمكان، فإن الشأن في صلاة الجماعة أنها تجمع المسلمين في بيت الله سبحانه وتعالى، ومن ثم تكون سبباً أن يحدث بين المسلمين التعارف، وقد قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:١٣]، وأفضل الأماكن التي يتعرف المسلم فيها على أخيه المسلم هي بيوت الله سبحانه وتعالى، فيعرفه بالتقوى، ويعرفه بمواظبته على الصلاة وحرصه على دين الله سبحانه، كما أن المسلم إذا فقد أخاه في صلاة الجماعة سئل عنه فربما كان مريضاً، أو محتاجاً، فإذا كان في حاجة من الحوائج أعانه وكان معه.

وفي الحديث يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة في بيت الله سبحانه تضعف على صلاة الإنسان في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً؛ وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة) أي: خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة، قال: (لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة)، ثم قال: (فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه)، إذ الإنسان إذا كان خارجاً لصلاة الجماعة، بعد أن توضأ في بيته، فخرجت بعض خطاياه بوضوئه، ثم خرج من بيته يريد الصلاة فكلما خطا خطوة رفع بها درجة، أو كتب له بها حسنة، أو حط بها عنه خطيئة، حتى يصل إلى المسجد، فإن صلى لله عز وجل أو انتظر الصلاة فهو في صلاة، فإن انتهى من الصلاة ومكث في المسجد يسبح الله عز وجل ويذكره كان في صلاة، وكتبت له فضيلة الصلاة مادام في بيت الله عز وجل.

قوله: (فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه ما لم يحدث، تقول الملائكة: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)، أي أنه إذا أكمل صلاة الفريضة ثم جلس حتى أتت الفريضة التي تليها تكتب له جلسته صلاة، وهكذا ما بين الصلاتين يكتب له كأنه يصلي، وشرط ذلك: أن يكون على وضوء، وأن يجلس في مصلاه.

ومن الآثار الواردة: أثر لـ ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه يبين أهمية صلاة الجماعة، وأنها ليست بالبساطة التي يعتقدها الناس الذين يتهاونون عنها أو يتركونها، بل ربما قد يترك أحدهم الصلاة من أصلها، والأثر يرويه الإمام مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود أنه قال: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات، ويدل على هذا الكلام حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، يقول ابن مسعود: فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن -أي في المسجد- فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطُهور، ثم يعمِد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة.

وقد أثر عن ابن مسعود أنه قال: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) أي: أنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتخلف عن هذه الصلاة إلا رجل موسوم بالنفاق معلوم عند الناس بالنفاق.

ثم يقول: (ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين رجلين حتى يقام في الصف) وهذا من حرصهم على صلاة الجماعة، فيكون أحدهم متعباً لا يستطيع المشي إلا أن يستند على اثنين فيسندوه ويوقفوه في الصف، كل ذلك حرصاً على صلاة الجماعة ألا تضيع منه، ومع أن له عذره بسبب المرض؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور:٦١]، ولكن مع اعتيادهم على صلاة الجماعة، وحبهم لصلاة الجماعة، كان الواحد منهم يفضل أن يستند على غيره ليصلي في المسجد على أن يصلي في بيته، وقد رأينا النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهو في آخر حياته، كيف أنه سأل عن الصلاة في يوم من الأيام، وكان مريضاً وعكاً صلوات الله وسلامه عليه: أقيمت الصلاة؟ فقالوا: لا، فأراد أن يقوم ليصلي صلى الله عليه وسلم، فلما قام سقط صلى الله عليه وسلم ولم يقدر على القيام، فقال: ائتوني بماء، فأتوا له بطست فيه ماء، فصب على النبي صلى الله عليه وسلم من الماء ليغتسل فيصحو من الحمى، ويذهب إلى الصلاة صلى الله عليه وسلم، فلما قام أراد أن يذهب ناء صلى الله عليه وسلم ولم يقدر -أي: سقط مرة ثانية- فأتوا بماء مرة أخرى وصبوا عليه صلى الله عليه وسلم، وهكذا مرة بعد أخرى وهو لا يستطع أن يقوم، حتى قدر في مرة أن يقوم فخرج متكئاً على عمه العباس وابن عمه علي رضي الله تبارك وتعالى عنهما، ورجلاه تخطان في الأرض، يريد أن يصلي بالناس صلوات الله وسلامه عليه.

فقد يكون الإنسان مريضاً، لكن حبه لصلاة الجماعة يجعله يواظب عليها، مع أن له العذر أن يصلي منفرداً في بيته، ولكن شدة حبه لصلاة الجماعة والمحافظة عليها تجعله يأتي إلى بيت الله كما صنع هذا الذي ذكره ابن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه اقتداء بالنبي صلوات الله وسلامه عليه.

وقول ابن مسعود: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض.

بمعنى: أن المريض الذي يجهد نفسه، ويأتي المسجد مأجور، ولكن لو أنه لم يأت أيضاً مأجور، وأجره كأجر الجماعة؛ لأنه معذور، وقوله: إن كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي إلى الصلاة، معناه: مستند على رجلين.