شرح حديث: (ومن مات وعليه دين فليس ثَم دينار ولا درهم)
ومن الأحاديث حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره).
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فإذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع).
فحدود الله سبحانه وتعالى جعلها رادعة عن الوقوع في الجريمة، كالحد في شرب الخمر، والحد في السرقة، والحد في قطع الطريق، والحد في الزنا، فهذه حدود جعلها الله عز وجل تأديباً للعباد وتهذيباً لهم، ومنعاً لغيرهم أن يقعوا في هذه المنكرات، فإذا كان بين إنسان وآخر شيء فعفا عنه بينه وبينه فلا مانع أن تعفو عن شيء يخصك أنت، كإنسان سرق من إنسان شيئاً ثم عفا عنه وترك له ذلك، وأما إذا بلغ هذا الحد إلى الحاكم فلا يجوز لأحد أن يشفع في ذلك، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الشافع والمشفع.
وفي حديث: أن صفوان بن أمية لما أسلم وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة جعل برده تحت رأسه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ونام، فإذا برجل من الذين كانوا في المسجد يمد يده ليسرق البرد الذي كان الرجل لابسه وقد طرحه تحت رأسه وهو نائم، فأمسك به صفوان ورفعه للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إن هذا أراد أن يسرق مني بردي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يده.
إذاً: فقد رفع الأمر إلى الحاكم وهو النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأمر بقطع يد السارق، فإذا بـ صفوان يندهش فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أفي مثل هذا البرد تقطع يده؟! فهو له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل ذاك قبل أن تأتيني به؟) لماذا لم تتركه له قبلما ترفعه لي؟ فإذا بلغ الحكم إلى الحاكم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الشافع والمشفع).
فلا تجوز الشفاعة بعدما وصل الأمر إلى القاضي في أي حد من حدود الله سبحانه وتعالى.
فهنا في هذا الحديث: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله) يعني: أتي بإنسان زانٍ وأقر على نفسه، أو بإنسان شهد عليه أربعة أنه وقع في هذه الجريمة ورفع إلى القاضي، فأمر القاضي برجمه أو أمر بجلده حسب حاله، وتدخل إنسان ليشفع ويقول: أرجوك اتركه، فهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فقد ضاد الله في أمره)، فأحكام الشريعة ليس فيها تلاعب، ولا أن الإنسان يقول: من أجلي اتركه، لا، فحد واحد يقام في الأرض أحب إلى أهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً، وحد يقام في الأرض تأتي بسببه البركة من السماء؛ لأن الحدود عقوبة على جريمة، وردع للناس من أن يقعوا في هذه الجريمة، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن مات وعليه دين فليس ثَم دينار ولا درهم).
فالذي يموت وهو مديون فلا يوجد يوم القيامة دراهم، قال: (ولكنها الحسنات والسيئات)، إذاً: فيوم القيامة إما أن تعطي لهذا الذي له الدين من حسناتك، وإما أن تحمل من سيئاته قصاصاً لهذا الدين، قال: (ولكنها الحسنات والسيئات).
قال: (ومن خاصم في باطل وهو يعلم)، فالإنسان الذي يخاصم في خصومة ويجادل فيها وارتفع الأمر إلى القاضي وهو يعلم أنه كذاب، كإنسان يدعي على فلان أن الأرض هذه حقه، والشقة هذه حقه، والمكان هذا حقه ويرتفع الأمر إلى السلطان، وهذا المخاصم الذي يجادل كذاب ويعلم في نفسه أنه كذاب، فهذا مصيبته عند الله عز وجل عظيمة، قال: (من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع)، فيغضب الله عز وجل عليه، وإذا غضب الله عليه فلا ينتظر إلا المصائب، ويظل على هذه المصائب والله غضبان عليه حتى يرجع عن ذلك فيرد الحق لصاحبه، ويتوب إلى الله سبحانه.
قال: (ومن قال في مؤمن ما ليس فيه) أي: رماه ببهتان، ورماه بقول زور وكذب عليه، فيقول: فلان هذا أنا رأيته يعمل كذا وكذا، وقد قالوا عليه كذا وكذا، وليس فيه هذا الشيء، قال: (ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال) حبس في النار والعياذ بالله! في مكان اسمه: (ردغة الخبال)، و (ردغة الخبال): منطقة في النار يسيل فيها صديد أهل النار والعياذ بالله! فهذا مكان يليق بهذا الإنسان الكذاب الذي فيه نتانة الكذب، فيحبس فيه (حتى يأتي بالمخرج مما قال) والإنسان يأتي بالمخرج إذا كان صادقاً، لكن هذا كذاب، فاحذر أن تقول على مؤمن أو مؤمنة ما ليس فيه، واحذر أن تسمع شائعة عن إنسان فتردد هذه الشائعة كما سمعتها فتحبس في (ردغة الخبال) وهو مكان يسيل فيه عصارة أهل النار والعياذ بالله!