[بيان أن صلاح هذه الأمة بزهدها في الدنيا]
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: (صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين).
وهذا يبين لنا فضل الصحابة ومن اتبعهم بإحسان، فصلاح هؤلاء بزهدهم في الدنيا، فهم زاهدون فيها، وغير راغبين في المزيد منها، فقد فتحت الفتوحات من بلاد قيصر وبلاد كسرى، وفتح الله عز وجل لهم مشارق الأرض ومغاربها، وجاءتهم الدنيا من كل مكان، وبزهدهم فيها أعطاهم الله أكثر وأكثر.
فقد أعطوا لله حقه فأعطاهم الله وفتح عليهم سبحانه.
ومع أنهم جاءتهم الدنيا إلا أنها كانت في أيديهم، وكان الذي في قلوبهم هو الخوف من الله والخشية منه والزهد وعدم الطمع في هذه الدنيا.
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اثنان لا يشبعان، طالب علم وطالب دنيا).
فطالب العلم لا يشبع أبداً؛ لأنه كلما ازداد علماً ازداد علماً بجهله، فازداد طلباً للعلم.
وطالب الدنيا كلما أغناه الله من الدنيا استشعر الفقر إليها، وأنه محتاج أكثر وأكثر، فهما لا يشبعان.
وفرق بين الاثنين كبير: فالعالم يطلب العلم يبتغي به وجه الله سبحانه، وكلما ازداد علماً ازداد رفعة، وازداد في نفسه تواضعاً.
وطالب الدنيا كلما ازداد غنىً ازداد في نفسه فقراً وافتقاراً إلى الدنيا، وازداد شعوراً بأن هذا يزول منه، فيريد أن يتمكن منه، فهو يحرس الدنيا، وأما صاحب العلم فعلمه يحرسه، فالفرق كبير بين الاثنين.
فلذلك المؤمن يكون طالباً للعلم، وطالباً للآخرة، وزاهداً في الدنيا، وستأتيه الدنيا راغمة، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم.
فصلاح أمر هذه الأمة كان بالزهد واليقين، أي: بالزهد في الدنيا، واليقين فيما عند الله سبحانه.
بأن يكون الإنسان زاهداً، وفي قلبه يقين بأن ما كتب له لا بد أن يأتيه، وأنه لن تفلت منه الدنيا التي كتبها الله عز وجل له.
ولذلك فهو لا يحسد الناس؛ لأن الشيء الذي آتاه الله عز وجل لغيره لو أراد أن يأتيه إياه لآتاه، فهو على يقين بأن الله لو أراد أن يعطيه هذا الشيء لأعطاه إياه، فلا ينظر إلى غيره نظرة حسد، ولا يتخط لأن الله أعطى هذا الشيء لغيره، ولم يؤته هو؛ لأنه واثق بأن الله لن يؤتيه إلا الخير، ولا يمنع عنه إلا الضير.
فكان صلاح الأوائل بسبب زهدهم ويقينهم.