[تحريم أخذ المال الحرام بحجة التصدق به أو منه]
أيضاً: جاء في الحديث عند ابن خزيمة من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك).
قوله: (إذا أديت زكاة مالك)، هذه الفريضة التي عليك، وما تصدقت به بعد ذلك فهو من المستحبات، ومن جمع مالاً حراماً ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه، فالغاية لا تبرر الوسيلة أبداً، فالإنسان الذي يتعامل بالحرام ويقول: سأتعامل بالحرام من أجل أن آكل وأتصدق به لا يقبل منه ذلك.
الإنسان الذي يتعامل بالرشوة ويقول: أنا سأتصدق بها، يحرم عليه ذلك، كما يحرم عليه أن يتعامل بالربا بهذه الحجة.
يقول صلى الله عليه وسلم: (ومن جمع مالاً حراماً ثم تصدق به لم يكن فيه أجر وكان إصره عليه)، وقال في الحديث الآخر: (من اكتسب مالاً من مأثم) يعني: عمله عمل محرم، كأن يأخذ رشوة أو سحتاً أو يأكل من الربا أو يتعامل بالحرام، يقول عليه الصلاة والسلام: (فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله) فهو يبرر لنفسه ما أخذه من مال حرام، فحتى ولو أنفق ذلك في سبيل الله لا يبرر منكره، وترى أناساً معهم مهن محرمة ويريدون أن يفعلوا خيراً، مثلاً: رقاصة تعمل موائد للرحمن وتقول: إنها تتصدق، وتذهب تحج بهذا المال، وتتصدق بأفخر الطعام للناس، قال صلى الله عليه وسلم: (من اكتسب مالاً من مأثم فوصل به رحمه الله، أو تصدق به، أو أنفقه في سبيل الله، جمع ذلك كله جميعاً فقذف به في جهنم) يعني: المال وصاحبه في نار جهنم ولن ينفعه ما تصدق به، لذلك فتصدق من شيء طيب ولو قليلاً.
وعرفتم حديث النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك: (سبق درهم مائة ألف درهم) وذلك أن هذا الإنسان صاحب الدرهم فقير مسكين ليس معه إلا درهمان فتصدق بأحدهما، فيكون قد تصدق بنصف ماله، فكان له أجر عظيم عند الله عز وجل.
والآخر لديه الملايين فأخرج منها مائة ألف، فلم تأثر شيئاً في ملايينه فله أجر عظيم عند الله، ولكنه عندما يقارن بين أجر من تصدق بنصف ماله، ومن تصدق بشيء من الأموال وإن كانت كثيرة فإن الأول يسبق الثاني وللثاني أجر عند الله عز وجل.
ومن الأحاديث: ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ، أمن الحلال أم من الحرام) فيعمل أي عمل سواءً كان حلالاً أم حراماً، والذي يهمه فقط كيف يحصل على أكبر قدر من الأموال.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة أيضاً: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: (الفم والفرج) الفم: والمراد بالفم: ما يأكله الإنسان.
والفرج: أي: عند وقوعه في الزنا أو نحوه من الفواحش يكون سبباً في دخول صاحبه النار.
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: (تقوى الله وحسن الخلق) فتقوى الله من أعظم الأشياء التي تدخل الإنسان الجنة، وكذا حسن الخلق وكلما حسن خلق الإنسان كلما رضي للناس جميعهم الخير، وكلما أحب الناس فلم يخدع أحداً، ولم يغش أحداً، وكلما تعامل مع الناس بمعاملات طيبة.
ومن الأحاديث: حديث أبي بردة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع) أي: لا يتحرك من مكانه حتى يسأل عن أربعة أشياء.
وفي رواية أخرى: (عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) ومعنى: عن عمره وعن شبابه أي: أين ضيعت عمرك وفيم أفنيت عمرك وشبابك وقوتك؟ قال: (وعن ماله) سؤالان عن المال (من أين اكتسبه وفيما أنفقه).
وآخر الأشياء التي يسأل عنها عن علمه، فإذا كنت قد تعلمت كتاب الله وعرفت الأحكام الشرعية وعرفت سنة النبي صلى الله عليه وسلم فما الذي عملته فيما علمت من ذلك؟ فأعدوا للسؤال جواباً.
نسأل الله سبحانه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.