للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:

اختيار النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون عبداً رسولاً

ومن الأحاديث التي جاءت: حديث أبي هريرة يقول: (جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال له جبريل: هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة).

يعني: في يوم من الأيام وجبريل جالس مع النبي صلى الله عليه نزل ملك من السماء، وأول مرة ينزل هذا الملك من السماء إلى الأرض من ساعة ما خلقه الله سبحانه وتعالى، فيقول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد! أرسلني إليك ربك: أملكاً أجعلك أم عبداً رسولاً؟)، يعني: نزل الملك يخير النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنت مقامك عالٍ عند رب العالمين، وهو يحب أن يخير نبيه صلى الله عليه وسلم.

والحكمة من أن ينزل ملك آخر غير جبريل لكي يكون جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وزيراً وناصحاً ومشيراً، فنزل الملك الآخر يخير النبي صلى الله عليه وسلم: أتريد أن تصبح ملكاً رسولاً أم تبقى عبداً رسولاً؟ فنظر جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إليه: تواضع لربك يا محمد! فربنا يخيرك، فإذا تواضعت فإنه ما زاد الله عبداً بتواضع إلا عزاً، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (بل عبداً رسولاً)، يعني: أكون عبداً رسولاً.

ولذلك كان يجلس جلسة العبيد، ويقعد على الأرض ولا يقعد على الكرسي أو على عرش، وينام على السرير، وكانت حبال السرير تؤثر في جنب النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهنا كان صلى الله عليه وسلم غاية في التواضع ليري الناس أن الدنيا لا تساوي شيئاً.

قال ابن مسعود: (نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه)، أي: أعواد الحصير أثرت في جنبه صلى الله عليه وسلم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! لو اتخذنا لك وطاءً) أي: فرشاً ليناً، فقال صلى الله عليه وسلم: (مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها).

هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم يضرب هذا المثال العظيم الذي يحدث الناس به حتى يعقلوا، فيقول: أنا مثلي مع هذه الدنيا كراكب نزل تحت ظل شجرة، وفي رواية أخرى قال: (كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها) الذي يسير في الصيف ينزل تحت شجرة في أثناء الطريق ليرتاح قليلاً ثم يكمل سيره مرة أخرى.

هكذا يعلمنا صلى الله عليه وسلم أن نزهد في الدنيا حتى يحبنا الله سبحانه، وأن نزهد في ما في أيدي الخلق حتى يحبنا الخلق.

نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل الله اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص: