[جزاء المكر والخداع]
وذُكر في حديث آخر لـ ابن مسعود رضي الله عنه: (من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار).
(والمكر) كما يفعله بعض الناس ثم يقول: ضحكت عليه، وبعت له السلعة بكذا.
فانظر ماذا عملت له، فتعال تعلم مني، وانظر كيف أبيع وكيف أشتري.
فهو مخادع ومكار، ومصيره إلى النار.
وهذا مصير أهل النار.
فأهل المكر والخيانة والخداع، يظنون أنفسهم أذكياء في الدنيا، وأنهم يعرفون التصرف والبيع، فهؤلاء آخرتهم النار، والعياذ بالله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والمكر والخداع في النار).
وفي حديث آخر: (المكر والخديعة في النار).
ومهما يصنع الإنسان من مكر وخديعة ليأخذ أموال الناس فلا يظن أبداً أنه سيبارك له في هذا الشيء.
وقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً من الأقوام الذين من قبلنا، حتى نعرف ما الذي يمكن أن يحدث لهذا المال، فالإنسان المخادع والتاجر الذي يريد أن يبيع الحاجة بأكثر من ثمنها، ويظن أنه سيخدع الناس بهذا الشيء، إنما يضحك على نفسه ويخدعها؛ لأن هذا المال الذي يأخذه محكوم عليه بالهلاك وبالضياع؛ لأنه إنما يبتليه الله سبحانه وتعالى به، فإما أن يضيع منه هذا المال، وإما أن يسلط عليه نفسه وشهوته ويضيعه في الحشيش والمخدرات وغيرها، أو يبتليه بالأمراض التي يظل يصرف هذا المال على علاجها، ولا تذهب هذه الأمراض منه، أو يبتليه بفساد عياله وزوجته، فيسرقون المال من ورائه.
فيجد أن هذا المال المأخوذ بالخديعة والمكر محكوم عليه بالتتبير والهلاك.
وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة وهو عند الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً كان يبيع الخمر في سفينة له).
وفي رواية: (أن رجلاً ممن كان قبلكم جلب خمراً إلى قرية فشابها بالماء فأضعف أضعافاً).
ولعل هذا كان جائزاً في ملتهم، أو أنه حكاية يحكيها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس معناه جواز بيع الخمر، ولكن المعنى: أن هذا الإنسان ذهب يبيع الخمر في قرية، فركب سفينة وسافر إلى هذه القرية، فلما نزل في القرية وجد أن الذين يريدون أن يشتروا الخمر كثير، فزادها ماء وضاعفها أضعافاً بالماء، وباعها للناس، وأخذ المال.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن رجلاً كان يبيع الخمر في سفينة له، ومعه قرد في السفينة).
فقد جمع الشر كله معه.
فقد باع الخمر للناس وغشهم، وأخذ المال.
قال: (كان يشوب الخمر بالماء، فأخذ القرد الكيس).
وفي رواية: (فاشترى قرداً فركب البحر)، يعني: اشترى هلاكه معه.
قال: (حتى إذا لجّج فيه)، يعني: دخل في نصف البحر، وفي مكان لا يعرف أن ينزل فيه.
قال: (فألهم الله القرد صرة الدنانير فأخذها)، فقد جاء وقت الحسرة، وأحسره الله على ما صنع؛ لأنه ضحك على الناس، وأخذ أموالهم.
قال صلى الله عليه وسلم: (فصعد الدقل)، يعني: عمود السفينة، وصاحبه لا يستطيع الصعود وراءه.
فأخذ كيس الدنانير وصعد فيها.
قال: (ففتح الصرة وصاحبها ينظر إليه، فأخذ ديناراً فرماه في البحر، وديناراً في السفينة) يعني: ما غش وخدع الناس فيه رماه له في البحر، وترك له باقي ماله.
قال: (حتى قسمها نصفين).
فسلط الله عز وجل عليه من ماله.
فهو لما خدع الناس، وأخذ أموالهم, سلط الله القرد على إتلاف ماله.
فهذا المثل يذكره النبي صلى الله عليه وسلم عبرة وعظة لكل تاجر؛ حتى لا يغش ولا يخدع.
فإذا أخذ المال من الغش فماله محكوم عليه بالخسران وبالهلاك.
وسيرى ذلك في يوم من الأيام.
فتجد التاجر من هؤلاء معه النقود الكثيرة جداً وقد سلط الله عليه البلاء كله.
وهو يخاف أن يصرف النقود ويقول: إنه يحتاجها في مرض كذا، أو للأولاد، ثم تسرق منه نقوده، ولا يعرف أين ذهبت؟