[شرح حديث: (ما من عبد ولا أمة إلا وله ثلاثة أخلاء)]
في كتاب الزهد من كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري رحمه الله ذكر عدة أحاديث، منها: حديث النعمان، ومثله حديث أبي هريرة، ومثله حديث أنس بن مالك رضي الله عن الجميع، والحديث فيه بيان كيف يكون أهل الإنسان ومال الإنسان وعمل الإنسان له، يضرب صلى الله عليه وسلم هنا المثل في حديث النعمان فيقول: (ما من عبد ولا أمة إلا وله ثلاثة أخلاء)، وفي رواية: (مثل الرجل ومثل الموت كمثل رجل له ثلاثة أخلاء) أي: رجل له ثلاثة أصدقاء وأصحاب وأخلاء وأحبة، هذا في الظاهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فخليل يقول: أنا معك فخذ ما شئت ودع ما شئت فذلك ماله)، هذا واحد من ثلاثة أصدقاء للإنسان وهو المال.
قوله: (ما من عبد ولا أمة)، يعني: أن الله هو الملك وأن كل عبد لا بد وأن يرجع إلى مالكه ليحاسبه عما عمل.
فأنت راجع إلى الله سبحانه وتعالى، ومعك هؤلاء الثلاثة في الدنيا: مالك، أهلك، عملك، فيقول هنا صلى الله عليه وسلم: (مثل الرجل ومثل الموت) أي: أن الموت مرجعك إلى الملك سبحانه وتعالى.
ثم قال: (كمثل رجل له ثلاثة أخلاء، فقال أحدهم: أنا معك فخذ ما شئت، ودع ما شئت)، يعني: هذا الخليل يقول لك: خذ المال وافعل به ما شئت، هذا مالك وأنت مسيطر عليه في الدنيا، وأنت تنفقه في الدنيا، فما أنفقت فهو مالك وما تركته وراءك فهو مال الورثة وليس مالك أنت.
الخليل الثاني: أهل الإنسان، قال هذا الخليل: أنا معك أخدمك فإذا مت تركتك.
الخليل الثالث: العمل، قال: أنا معك أدخل معك وأخرج معك إن مت وإن حييت.
ثلاثة من الأخلاء مثل صورة إنسان كان عند ملك من الملوك وزيراً في المكان الفلاني، وبعد سنة قال له: تعال سوف أحاسبك، وكان له أصدقاء كثيرون، وهذا يقول له: نفديك بالروح، وهذا يقول له: نفديك بالمال، فالملك قال للوزير: تعال الآن أحاسبك، فالخليل الأول: مال الإنسان، جلس معه وقال: أنت حبيبي وأنت كذا فمضى الوزير وتركه، ومضى مع الوزير الخليل الثاني إلى أن وصل إلى السيارة أو القطار ثم قال له: مع السلامة لا أعرفك، أما الخليل الثالث فركب معه، وقال: أنا أدافع عنك، وأنا أصل معك إلى الملك، فوصل معه للملك ووقف أمام الملك فقال: هذا لم يعمل كذا وعمل كذا ولم يعمل كذا ودافع عنه، فأنفع شيء للإنسان هو عمله، فاعمل العمل الصالح وثق في الله سبحانه، فعملك هو الذي ينفعك بإذن الله، لا مالك ينفعك ولا أهلك ينفعونك إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى، وإنما الذي يبقى لك وينفعك هو عملك الذي يدخل معك في قبرك، أما المال فأنت تركته وانصرفت في نعشك إلى قبرك، وأما الأهل فيودعونك إلى القبر ولا يدخل أحد منهم معك القبر، وإنما الذي يدخل معك قبرك هو عملك، ولذلك الإنسان وهو في قبره يمثل له عمله الصالح في صورة رجل طيب الريح جميل الوجه فيقول له: (أبشر بخير يوم جاء عليك منذ ولدتك أمك، يقول: من أنت، فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، والله ما علمتك إلا كنت سريعاً إلى الخير بطيئاً عن الشر فجزاك الله خيراً).
فإذاًَ: عمل الإنسان هو الذي يدخل معه في قبره ويدافع عنه في قبره، فعندما يأتي العذاب على الإنسان في قبره يصبح العمل حول الإنسان: صلاة الإنسان، زكاة الإنسان، حج الإنسان، صوم الإنسان، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، هذه الأعمال تكون حول هذا الإنسان في قبره، تدافع عنه حتى ينجيه الله سبحانه وتعالى، هذا عمل الإنسان.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أنس بن مالك في الصحيحين: (يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله).
وروى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل ابن آدم وماله وأهله وعمله كرجل له ثلاثة إخوة -أو ثلاثة أصحاب- فقال أحدهم: أنا معك حياتك، فإذا مت فلست منك ولست مني، قال: فهو ماله، وقال الآخر: أنا معك فإذا بلغت تلك الشجرة فلست منك ولست مني)، أي: إذا بلغت تلك الغاية فلست معك، وهؤلاء أهل الإنسان، (قال الآخر: أنا معك حياً وميتاً، فهذا عمل الإنسان).