[شرح حديث: (أين المتحابون بجلالي؟)]
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟) ويوم القيامة هو {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٦].
فيريد أن ينجو حتى ولو هلك من في الأرض جميعاً، ففي هذا اليوم الذي تدنو فيه الشمس من الرءوس يظل الله سبحانه بعض أهل الموقف، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ينادي يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟) أي: أين الذين كان يحب بعضهم بعضاً ليس من أجل الدنيا ولكن من أجل الله عز وجل، فيميزون عن غيرهم، ويظلهم الله سبحانه وتعالى بظل من عنده يوم لا ظل إلا ظله، ويقول: (اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي).
يوم القيامة ترى الأرض لا عوج فيها ولا أمتا، لا مرتفعات ولا منخفضات، وتدنو الشمس من الخلق، ولا يحجبها عنهم شيء، فليس هناك جبال ولا أشجار ولا شيء، وإنما هي أرض منبسطة واسعة، والشمس فوق الرءوس بقدر ميل.
والميل قالوا: هو ميل المكحلة التي يكتحل بها الإنسان، ويعرق الإنسان حتى يغرق في عرقه، نسأل الله العفو والعافية، فيظل الله عز وجل في هذا اليوم العظيم المتحابين بجلال الله عز وجل وغيرهم ممن ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل) يعني: الحاكم الذي يحكم بشرع الله عز وجل، ويعدل بين الرعية، (وشاب نشأ في عبادة الله)، والشباب الذين يواظبون على الصلاة عليهم أن يحرصوا على ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يبشرهم إذا نشأوا في عبادة الله وشبوا وشابوا على ذلك أنهم يظللهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ويحرص المؤمن على أن يُنشئ ابنه على الصلاح من صغره، ولا يقول: ما زال صغيراً، أو ما زال شاباً طائشاً؛ لأن هذا يؤثر عليه يوم القيامة، ولكن من نشأ من صغره على طاعة الله سبحانه وتعالى فكان مصلياً صائماً قانتاً عابداً متعلماً حتى يموت على ذلك، فهذا هو الإنسان الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
قال: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) أي: يحب بيت الله سبحانه، فهو لا يأتي إلى المسجد لأجل السمر، ولأجل أن يتسلى، ولا أن يقابل فلاناً وعلاناً، لا، إنما جاء محبة لبيت الله عز وجل، ولصلاة الجماعة، ولطلب العلم، فإذا خرج منه بقي قلبه معلقاً ببيت الله: متى يرجع يصلي فيه؟ ومتى يحضر الدرس؟ ومتى يأتي لذكر الله عز وجل؟ فلا يزال قلبه معلقاً بالمسجد حتى يرجع إليه مرة ثانية، فهذا يظله الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
قال: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) أي: أحب كل منهما الآخر ابتغاء وجه الله سبحانه، فإذا اجتمعا كان اجتماعهما على طاعة الله، فيذكر أحدهما الآخر بالطاعة: ماذا عملت في النهار؟ وكم قرأت من القرآن؟ وهل صليت في جماعة؟ وكم ذكرت الله سبحانه؟ وهل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؟ ويتذاكران العلم في اجتماعهما، وإذا تفرقا سلم أحدهما على الآخر وانصرفا على طاعة الله سبحانه، فيجتمعان في طاعة، ويفترقان على طاعة، ويتواعدان على طاعة الله سبحانه وتعالى.
(ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) تعرض للفتنة في أشد ما تكون الفتنة، فالمرأة لها منصب، أي: حكم وسلطة، وجمال أيضاً، وهي التي دعته إلى الفجور والعياذ بالله، فيقول: إني أخاف الله، فالله عز وجل يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
قال: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) والمعنى أنه تصدق بصدقة في السر وحاول قدر المستطاع ألا يعرف أحد ذلك، ومن شدة المبالغة في الإخفاء يكاد يخفيها حتى عن نفسه، حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
(رجل ذكر الله خالياً) يعني: لوحده، (ففاضت عيناه) يعني من البكاء من خوف الله عز وجل، فاستحق أن ينجيه الله وأن يظله يوم لا ظل إلا ظله.
نسأل الله عز وجل أن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.