للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسافة القصر]

الراجح في مقدار السفر الذي يجوز فيه الفطر والقصر أنه ما يسمى سفراً، وخرج فيه الإنسان من مكان إلى مكان آخر، أو من بلدة إلى أخرى فله أن يفطر وله أن يقصر من الصلاة فيه، فما سمي سفراً عرفاً سواء كان قصيراً أو طويلاً يجوز فيه القصر والفطر، بشرط ألا يقل السفر عن أقل مسافة قصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فأقل المسافات التي قصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءت في الحديث: (أنه كان يقصر صلى الله عليه وسلم إذا سافر ثلاث فراسخ أو ثلاثة أميال)، وفي هذه الرواية شك، وفي بعض الروايات: (ثلاثة أميال) بغير شك، فعلى ذلك يحطاط بثلاثة فراسخ، ومقدارها نحو ستة عشر كيلو من آخر عمران البلد، أي: بعد آخر البيوت التي يعيش فيها، فإذا كان بين قرية وأخرى مسافة ستة عشر كيلو فما فوقها فله أن يقصر وأن يفطر.

قال يحيى بن يزيد الهنائي: (سألت أنساً عن قصر الصلاة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين).

لكن العلماء أخذوا بأطول من ذلك، فذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أنه مسيرة يومين على الإبل أو الأقدام، قالوا: وتقديرها بستة عشر فرسخاً أي: بمقدار واحد وثمانين كيلو متراً تقريباً.

واختار البخاري أنها مسيرة يوم وليلة، وكأنه على النصف من ذلك، أي: بمقدار أربعين كيلو متراً.

وقال أبو حنيفة: أنها مسيرة ثلاثة أيام، وبعض فقهاء الأحناف يقولوا: أنها تقدر بخمسة عشر فرسخاً، وذلك ست وسبعون كيلو متراً.

إذاً من العلماء من يرى أنها ستة عشر فرسخاً، والبعض يرى أنها خمسة عشر فرسخاً، ولكن الحديث على أنها ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال، فإذا احتطنا في الأخذ بالحديث تكون ثلاثة فراسخ، وتقدر بستة عشر كيلو، ويقيد ذلك بأن يسمى سفراً عرفاً.

وقد يكون ما بين آخر العمران الذي بين بلد وآخر حوالي ستة عشر كيلو.

يقول ابن تيمية رحمه الله: تنازع العلماء: هل يختص القصر والفطر بسفر دون سفر، أم يجوز في كل سفر؟ قال: وأظهر القولين أنه يجوز في كل سفر، قصيراً كان أو طويلاً، كما قصر أهل مكة خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات ومنى، وبين مكة وعرفة نحو بريد، يعني: أربعة فراسخ، بما يقدر بواحد وعشرين كيلو متراً، والمعنى: أنه قصر أهل مكة وكانوا وراء النبي صلى الله عليه وسلم في عرفات، ولم يأمرهم بإتمام الصلاة.

يقول: ولم يحد النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد لا زمنه ولا مكانه، والأقوال مذكورة في ذلك ومتعارضة، وليس على شيء منها حجة، والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- ويقيد ما قيده، فيقصر المسافر الصلاة في كل سفر، وكذلك في جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر، والصلاة على الراحلة، والمسح على الخفين، ومن قسم الأسفار إلى سفر طويل وقصير، وخص بعض الأحكام بهذا وبعضها بهذا فليس معه حجة يجب الرجوع إليها.

هذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله وهو كلام قوي متين، فالراجح: أنه إذا سمي السفر سفراً، أو سميت المسافة التي يقطعها الإنسان من بلد إلى أخرى سفراً فيجوز له أن يقصر من الصلاة، وأن يفطر، والله أعلم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.