يجوز للمسافر في نهار رمضان أن يفطر، فالعذر ثابت للمريض والمسافر؛ لقول الله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:١٨٤]؛ وفي هذه الآية محذوف تقديره: من كان مريضاً فأفطر لزمه أن يقضي، وهذا نوع من أنواع الدلالات، وهي دلالة الاقتضاء، فالكلام فيه حذف أو شيء مضمر والمقام يقتضي أن نعبر عنه بذلك.
إذاً من كان منكم مريضاً فأفطر أو على سفر فأفطر، لكن المريض الذي لم يفطر، أو المسافر الذي لم يفطر ليس عليهما عدة من أيام أخر، وهذه تسمى دلالة الاقتضاء: من كان منكم مريضاً فأفطر لزمه أن يقضي مكان اليوم الذي أفطره.
روى أصحاب السنن عن أنس بن مالك الكعبي -غير أنس بن مالك الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه- قال:(أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدى فقال: ادن فكل -أي: يتناول طعام الإفطار في الصباح، والغداء في الغدو، ونحن نقول: الغداء أي: طعام الظهر، ولكن الغداء أصلاً معناه طعام الصبح وهو الإفطار- قال: فقلت: إني صائم، فقال صلى الله عليه وسلم: ادن أحدثك عن الصوم، إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة) أي: رخص الله عز وجل للمسافر أن يفطر وعليه أن يقضي، وطالما أنه سيصلي فليس عليه قضاء؛ لأنه قد أتى بشطر الصلاة.
وهذا حديث حسن صحيح.
فإن كان سفره فوق مسافة القصر على اختلاف بين العلماء في مسافة القصر فنقول: ابتداء إذا كان السفر مسافة قصر وليس سفر معصية فله الفطر في رمضان، والسفر قد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون مباحاً، وقد يكون مكروهاً، فللمسافر أن يفطر في ذلك، أما إذا كان سفر معصية فليس له أن يفطر فيه؛ لأن الإفطار في السفر إعانة على مشقة السفر، وهذا الذي يسافر ليعصي المفترض أن يمنع من السفر، كأن يسافر ليشتري خمراً، أو يزني، فالأصل أن يمنع، ولا يجوز له أن يفطر أو يقصر؛ لأنه بهذه الرخصة أعين على المعصية.
إذاً: إذا كان سفره فوق مسافة القصر، وليس السفر في معصية فله الفطر في رمضان؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:١٨٤] سواء كان سفر حج أو جهاد أو تجارة، وأنواع السفر: سفر حج، وهذا قد يكون فريضة، وقد يكون مستحباً، وسفر جهاد وهذا قد يكون فرض عين أو كفاية أو قد يكون مستحباً، أو سفر تجارة فقد تكون مستحبة أو مباحة أو مكروهة، ونحو ذلك من الأسفار.
ومذهب الأئمة الأربعة: أنه يجوز للمسافر أن يصوم وأن يفطر، فالأيسر عليه يفعله.
وأما في الصلاة فقد استحب الجمهور قصرها في السفر، وذهب الأحناف إلى أنه يجب القصر.
والمسافر تجب عليه الصلاة ولا يصح أن يقال له: إذا رجعت من السفر فاقضها كالصيام، ولكن له أن يصلي الرباعية ركعتين، لكن الصوم لا يقال له: صم نصف الصوم، فإما أن يصوم أو يفطر، وإذا أفطر لزمه القضاء وبقي متعلق بذمته، وإذا صام فليس عليه قضاء.