للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدار زكاة الفطر]

جاء في الحديث أنها صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير).

قوله: (صاعاً من طعام)، لعله قصد عموم الطعام، ثم فصل بعد ذلك، أو يقصد من طعام القمح إذ كان موجوداً عندهم القمح وكانوا يخرجون القمح أو الدقيق.

قال: (أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب)، والملاحظ أن هذه الأشياء كلها مما يكال بالصاع، ولما لم يكن الصاع موجوداً في عصرنا، فقد حول هذا الصاع إلى وزن ومقداره حوالي: اثنين كيلو وربع من القمح، ويكون التمر حوالي: كيلو ونصف الكيلو، وإذا كان من الرز سيكون حوالي: اثنين كيلو ونصف الكيلو تقريباً، وإن كان الرز ليس مذكوراً في حديث أبي سعيد الخدري.

والأقط: هو لبن الغنم أو الماعز يأتوا به الأعراب ويجففونه ثم يصنعون منه أقراصاً صغيرة، تحسباً أن تحصل مجاعة.

أو انعدام زرع.

وقد راعت الشريعة أن يخرج المسلم مما يتوفر عنده ويقدر عليه، فمن كان عنده زبيب فيخرج زبيباً، ومن كان عنده تمر فيخرج تمراً، وهكذا الذي عنده شعير والذي عنده قمح والذي عنده أقط، بحيث إن الفقير يجد أنك طالما تأكل شيئاً فعليك أن تعطيه مما تأكله، فإذا أعطيت للفقير ذلك فقد فعلت الذي قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه.

قال أبو سعيد: (وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر)، كأنه يقول: فرض علينا النبي صلى الله عليه وسلم أن نخرج من الموجود عندنا، فهذا طعامنا الذي كنا نأكله، فقد كنا نخرج منه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك نعلم أن على الناس أن يخرجوا ما يناسب الناس وما هو أنفع لهم، وما يقتاتونه في زمنهم، إذ أن ما كان يقتات عليه في زمن أبي سعيد بعضه لا يناسب الناس اليوم كالإقط مثلاً، كذا لو خير أحد الناس اليوم بين أن يعطى أرزاً أو قمحاً لاختار الأرز، وهكذا ينبغي أن يقاس على هذه الأشياء ما كان قوتاً للناس، فيعطي للفقير من قوت أهل البلد؛ لأنه الأنفع للفقير، فتبرأ ذمة المعطى إذا أعطى أرزاً، أو فولاً، أو عدساً، أو تمراً، أو زبيباً، وبحمد الله قد رسمت جداول معلقة في المسجد بهذه الأشياء وقيمة هذه الأشياء، ولذا فإنه يجوز إخراج الحبوب والثمار التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وما ألحق بها أيضاً والنظر في ذلك إلى العلة؛ إذ المراد أن يُغني الفقير في يوم العيد، فيجد الطعام الذي يأكله.

ويجوز دفع الزكاة إلى فقير واحد، فلو كانت العائلة خمسة أفراد أو ستة أفراد فأخرج كل واحد صاعاً ثم أعطيت لفقير واحد جاز، كما يجوز أن يقسم الفرد الواحد زكاته على أكثر من فقير، ويشترط أن يكون من يعطاها مستحقاً، ولا ينبغي أن يعطى الزكاة من لا يستعين بها على طاعة الله، ولا من يعصي الله سبحانه وتعالى! كأن يكون إنساناً لا يصلي أو لا يصوم أو لا يحترم شعائر دين الله سبحانه وتعالى، وإنما تعطى الزكاة لمن يطيع الله سبحانه وتعالى، فتعطى لمن يصلي، وتعطى لمن يصوم، وأما الإنسان الذي يستهين بدين الله عز وجل فلا يستحق أن يأخذ هذه الزكاة.

ولو انعدمت الأشياء التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في بلد ثم أخرجوا طعاماً آخر ليس هو الأنفع والأفضل من ذلك؛ فنص بعض الحنابلة منهم أبو عبد الله بن حامد على أنه إذا أخرج جبناً، أو لبناً، أو لحمة مع عدم وجود هذه الأشياء، أو مع وجودها، وكانت هذه أصلح وأنفع للفقير، فأعطى بمثل هذا القدر أجزأ ذلك عنه.

وقد يتسائل البعض هل يجوز أن يخرج المرء قيمة هذه الأشياء المنصوص عليها؟ وهذه مسألة أختلف فيها الفقهاء على قولين، قول الجمهور منهم مالك والشافعي وأحمد وابن حزم وداود بن علي وغيرهم على أن ذلك لا يجوز فلا يجوز، وإذا أخرجت لم يجزئ.

وقول أخر وهو قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقول أبي حنيفة، وقول الإمام البخاري، وهو قول معاذ: أنه يجوز إخراج القيمة، وقد نظرو هنا إلى الأنفع للفقير، فما كان أنفع للفقير يجوز أن يعطيه إياه، والراجح في هذه المسألة أن الأمر واسع فيها، فيجوز أن تخرج الأشياء التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أخرجت مكانها قيمتها للفقير وكانت أنفع له أو احتاج إليها، أو هو طلبها مكان هذا الشيء، جاز أن تخرجها في ذلك، ولا يحتاج الأمر لكثير كلام فيها ولا كثير جدلٍ، فمن أخرج الأشياء المنصوصة فهذا حسن، وإذا وجد أن الفقير يحتاج إلى المال وهو أفيد له، كأن يكون لا يريد أن يأكل التمر أو القمح، بل يحتاج إلى أكل أخر غير هذا الشيء جاز أن يأخذ غيره، ولكن لا بد أن يكون بقيمة الأشياء المنصوصة، فمن وجد قيمة التمر أخرج قيمته، ومن وجد قيمة الزبيب وكان يريد أن يخرج قيمته جاز أن يخرج قيمته، وهكذا، وفي ذلك كلام جيد لـ شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله يقول: إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل لا بأس بذلك، وضرب لها مثال فقال: كأن يكون المستحقون بالزكاة طلبوا منه أعطاء القيمة؛ لكونها أنفع، فيعطيهم أيها، فيقول: لو أن الفقراء قالوا: أنفع لنا أن تعطينا القيمة لا أن تعطينا ذلك، وكان هذا هو الأنفع لهم، أو أن الفقير سيعطى من القمح أو من غيره من الأشياء فيأخذها ثم يبعها فالأنسب أن الفقير يعطى المال، وله أن يشتري لنفسه ما يريد، وعلى ذلك فالأمر واسع في ذلك، فإذا أخرجت المنصوص عليها أجزأ عنك وكان أفضل لك، وإذا كان الأنفع للفقير بطلبه الآخر أعطيته الأخر، ولا نقول أنه لا يجزئ، والله أعلم.