كان صلى الله عليه وسلم إذا غلبته عيناه يعني: إذا تعب بالنهار في الإصلاح بين الناس، أو في الجهاد في سبيل الله، أو في أمر من الأمور فتعب صلى الله عليه وسلم فجاء آخر الليل ولم يستطع أن يقوم فنام وغلبته عيناه، فهنا كان يصلي في النهار ثنتي عشرة ركعة مكان صلاة الليل وهي إحدى عشرة، فالنهار ليس فيه وتر إلا المغرب، فكان يصلي في وقت الضحى ثنتي عشرة ركعة صلوات الله وسلامه عليه.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الوتر قبل طلوع الصبح وقال:(أوتروا قبل أن تصبحوا)، رواه مسلم.
وقال:(من نام عن الوتر أو نسيه فليوتر إذا ذكر أو استيقظ)، فإذا كان الإنسان متعوداً أن يصلي صلاة الوتر، ثم نسيه في مرة من المرات أو نام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فإنه يستحب له إذا قام من الليل أن يصلي ركعة الوتر، سواء قام قبل الفجر أو بعد أن يؤذن الفجر، ثم يصلي سنة الصبح، ثم صلاة الصبح بعد ذلك.
وروى ابن أبي شيبة عن معاوية بن قرة رضي الله عنه قال:(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أصبحت ولم أوتر، فقال: إنما الوتر بالليل)، هذا ليبين له أن الأمر ليس بالتشهي، وكأن الرجل اعتاد أن يوتر كل يوم، وهذه المرة غلبته عيناه، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك، وقد صعب عليه هذا الذي وقع فيه فبعدما ألح الرجل في السؤال مرة واثنتين وثلاثاً وأربعاً قال له النبي:(فأوتر).
وفي حديث آخر رواه ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)، فهذا الحديث مع الحديث الذي قبله فيهما تضييق في أمر الوتر، فإذا تركته عمداً إلى أن طلع الصبح، فقد انتهى وقته، ولا وتر بعد ذلك، لكن من كانت عادته أن يصلي الوتر فغلبته عيناه يوماً فهذا يأخذ بالحديث الذي فات على شيء من التضييق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن له إلا بعدما ألح الرجل ثلاث مرات أو أربع مرات، إذاً فالأصل هو عدم تضييع الوتر، فإذا أخرت الوتر متعمداً إلى أن طلع الفجر فقد انتهى وقته.