يجوز أن يقرأ المؤمن القرآن ليرقي به نفسه، ويرقي به غيره، ولكن لا تكون له عادة، فإن هذا يخشى على صاحبه من أن يظن أن فلاناً هو الذي شفاه، وأنه فيه البركة، وينسى الله سبحانه وتعالى؛ فإن القرآن كتاب عظيم، والذي يقرؤه فلان هو الذي تقرؤه أنت، فارق نفسك بنفسك، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال:(هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون).
فقوله:(لا يسترقون) أي: لا يطلبون من غيرهم رقية، والرقية جائزة، ولكن هؤلاء أحسنوا وأخلصوا التوكل على الله سبحانه وتعالى، فلم يطلبوا من أحد شيئاً، وإنما طلبوا من الله وحده لا شريك له، وكذا المؤمن لابد أن تكون ثقته في الله، كما قال إبراهيم عليه السلام:{الَّذِي خَلَقَنِي}[الشعراء:٧٨]، وهو الله سبحانه، {فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء:٧٨ - ٨٢].
إذاً: الله سبحانه الذي ابتلى هو القادر على أن يشفي، فإذا رقيت فارق نفسك بكتاب الله وبأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وبما فيها من الدعاء، فإنه يجوز لك ذلك، كما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بآيات وسور مخصوصة أو مستحبة، يقرؤها المسلم، ويواظب عليها، أو يحفظها، ومن ذلك: سورة البقرة، وسورة آل عمران، فهاتان السورتان من أعظم ما في كتاب الله عز وجل، فإنهما يأتيان يوم القيامة يظلان أصحابهما.
فلذلك ينبغي على المؤمن أن يحاول ما استطاع أن يحفظ هاتين السورتين العظيمتين: سورة البقرة وسورة آل عمران، فإنهما لو لم يكن فيهما إلا هذا الفضل فقط -وهو أنهما يظلان صاحبهما في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة- لكفاهما فضلاً، وليس فيهما هذا فحسب، بل إنهما أيضاً يشفعان لك عند الله سبحانه وتعالى، فيشفعان لصاحبهما، وقد جاء في الحديث:(القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله وراءه ساقه إلى النار)، والعياذ بالله! فهذا القرآن شافع مشفع، أي: يأتي يشفع يوم القيامة، وتقبل شفاعته عند الله سبحانه وتعالى.
(ماحل مصدق)، أي: يتمحل لصاحبه، ويجادل عنه أعظم الجدل يوم القيامة حتى ينجو.
ومن أعظم ما تحفظه سورة الفاتحة، وسورة:(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وسورة البقرة وآل عمران.