[مشروعية حضور النساء لصلاة التراويح]
وصلاة التراويح يشرع أن تحضرها النساء، وإن كانت الصلوات العادية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيها: (صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في مسجدها، وصلاتها في قعر بيتها خير من صلاتها في مسجدها).
إذاً: فصلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها مسجدها، لكن صلاة التراويح لعلها لا تصليها في بيتها كما لو صلتها في المسجد، فإذا كانت وحدها قد تنشغل بأمور البيت فلا تصليها، فيشرع للنساء أن يحضرن إلى المسجد فيصلين مع الجماعة، ولذلك جاء في حديث أبي ذر: (فلما كانت السادسة -ليلة سبع وعشرين أو ثمان وعشرين- قال: جمع أهله ونساءه والناس)، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم بما فيهم نساءه؛ حتى يصلوا معه صلى الله عليه وسلم، قال: (فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح).
وكان عمر رضي الله عنه يجعل للناس، إمامين: إماماً يصلي بالرجال، وإماماً آخر يصلي بالنساء، ونلاحظ أنه لم يجعل إماماً للنساء من النساء مع وجود نساء يحفظن القرآن، بل بعث لهن إماماً يصلي بهن، قال: وجعل عمر بن الخطاب للناس قارئين في رمضان، فكان أبي يصلي بالناس، وابن أبي حتم يصلي بالنساء.
وكان علي بن أبي طالب أيضاً يأمر الناس بقيام رمضان، وكان يجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فأمرني علي فقمت إمام النساء.
فيجوز للمسلم -طالما قلنا إن صلاة التراويح سنة وليست فريضة- يجوز أن يصليها في جماعة، ويجوز أن يصليها وحده إن كان في البيت أو في مكان آخر، ولكن الأفضل أن يصليها في جماعة.
وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه جمع الناس على إمام، يقول عبد الرحمن بن عبد القاري: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون: يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل.
وجمعهم على سيد القراء أبي بن كعب رضي الله تبارك وتعالى عنه، الذي قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يقرأ القرآن بأمر جبريل، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمة البدعة هذه.
وهذه ليست البدعة المذمومة، فنحن نقول: البدعة هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، قصد بالسلوك عليها المبالغة في العبادة، وأما هذه فشرعية؛ فقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً فـ عمر لا يقصد بالبدعة هنا البدعة الشرعية، وإنما يقصد المعنى اللغوي في ذلك، أي: نعم الأمر البديع هذا، فهذا أمر جميل أننا أرجعناهم إلى ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاث الليالي التي صلاها بهم.
قال عمر: والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، وهذا عائد إلى الصلاة يعني: أن الصلاة التي يناموا عنها أفضل من التي يقومون، ولكن لا يستطيع عمر أن يجمعهم في آخر الليل؛ ففي أول الليل الكل موجود وذلك في صلاة العشاء، بخلاف آخر الليل.
فيكون مراده: لو كانت هذه الصلاة على هذا الوضع في آخر الليل لكانت أفضل من هذه؛ لأنهم إذا صلوا في أول الليل فإنهم سينامون في آخر الليل، فإذا صلى الإنسان مع الإمام كتب له قيام الليل كله، فإذا رجع إلى بيته فيستحب أن يقوم من آخر الليل قبل الفجر ما يقدر عليه، فيصلي ركعتين أو ما قدر الله عز وجل له.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر لك ما قد صليت)، فأفضل ما يكون من صلاة الليل والنهار ركعتان ركعتان، وإن جازت هيئات أخرى غير ذلك، فيجوز للمرء أن يصلي أربع ركعات متصلات في سنن النهار كصلاة الضحى، فيصلي أربع ركعات متصلات، لكن الأفضل أن يصلي ركعتين ويسلم ثم يصلي ركعتين.
وكذلك في السنة القبلية والسنة البعدية للظهر، والسنة القبلية للعصر، فيجوز أن يصلي أربع ركعات متصلات، ولكن الأفضل هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه فقال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، فصلاة الليل ركعتين ركعتين وتوتر بركعة واحدة، وإن كان هناك أحاديث جاءت في غير ذلك نذكرها فيما يأتي إن شاء الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.