يستحب أيضاً صيام أيام العشر، وحقيقة الصيام فيها تسعة أيام وليس عشرة؛ لأن أيام العشر تبدأ من أول يوم في ذي الحجة حتى العاشر منه، ويكون العاشر هو يوم العيد، والصيام في هذه الأيام ليس متأكداً كما هو متأكد في يوم عرفة، فإن شئت صمت يوم عرفة فقط، وإن شئت صمت التسعة الأيام كلها أو بعضها، وهذا كله من العمل الصالح.
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما العمل في أيام أفضل منها في هذه الأيام -يريد أيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خاطر أو خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)، أي أن العبادة من صلاة، وصوم، وإنفاق وغيرها، في هذه الأيام أفضل حتى من الجهاد، إلا من وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء، كأن الذي يساوي الأعمال المتعبد بها في هذه الأيام هو المجاهد الذي خرج يجاهد بماله، فأخذ منه ماله وقتل شهيداً، فدل ذلك على أنها أيام عظيمة جداً، وقد اختلف أيهما أفضل هذه الأيام أم العشر الأواخر من رمضان، والصحيح أن ليالي العشر الأخيرة من رمضان أفضل الليالي وأن أيام العشر من ذي الحجة أفضل الأيام.
روى أبو داود عن هنيدة بن خالد عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر أول إثنين من الشهر والخميس).
قولها:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسعة ذي الحجة) أي: التسعة الأيام التي في ذي الحجة، وقد تقصد بقولها: تسعة ذي الحجة يوم عرفة، فهو اليوم التاسع، ولكن ليست العادة أن يوم عرفة يسمى اليوم التاسع، أو يوم تسعة ذي الحجة؛ لأنه يوم مشهور بأنه يوم عرفة، وهو دائماً يذكر بما اشتهر به لا بما يخفى، فالظاهر أن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أرادت أنه كان يصوم الأيام التسعة من شهر ذي الحجة.