[من أحكام الحائض والنفساء في الصيام]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
ذكرنا في الحديث السابق بعض الأعذار التي يعذر فيها الإنسان في جواز الفطر، كمن يغمي عليه من أول النهار إلى آخر النهار، أو من الفجر إلى غروب الشمس، فلا يكون في هذه الحالة صائم، وإنما عليه أن يقضي مكان ذلك اليوم، أما إذا أغمي عليه في جزء من النهار -وكان قد نوى الصيام في الليل- وفاق باقي النهار، فسواء قل وقت الإغماء أو كثر فالراجح أن صومه يكون صحيحاً.
من أصحاب الأعذار: الحائض والنفساء، فلهما العذر بسبب الحيض والنفاس، ويجوز لهما الإفطار، بل لا يجوز لهما أن يصوما في وقت الحيض أو النفاس، وهذا بإجماع، فقد أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصوم بسبب الحيض أو النفاس، وأنهما يفطران في رمضان أيام الحيض والنفاس، وأنهما إذا صاما لم يجزئهما الصيام.
وليس معنى لزوم الإفطار أن تأكل وتشرب، ولكن المعنى أنه يحرم عليها أن تنوي الصوم، وإنما تنوي الإفطار.
إذاً: الحائض أو النفساء إذا لم تأكل شيئاً في النهار فلا شيء عليها إن لم تنو الصيام، لكنها إذا أمسكت بنية التقرب والعبادة والصوم حرم عليها وأثمت على ذلك؛ لأنه وجد فيها المانع الذي يمنع من قبول هذا الصوم، لما روى مسلم عن معاذة رضي الله عنها قالت: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة: أحرورية أنت؟ والحرورية: هم الخوارج، ولهم أشياء يتشددون فيها في الدين؛ بسبب جهلهم وشدة التزامهم ببعض العبادات وبصورة معينة، وكثيراً ما يكونون مخطئين في أقوالهم أو في فتواهم، وفي عدم رجوعهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأفاضل، حتى يتعلموا منهم، فكانوا يسيئون ويخطئون ويقعون في أشياء عظيمة وخطيرة، ومع ذلك يدعون أنهم على الحق والصواب! فكأن عائشة تقول لـ معاذة: أتريدين أن تصومي وأنت حائض أو نفساء تشبهاً بالحرورية الخوارج؟ فقالت معاذة: لست بحرورية ولكني أسأل، وكأنها تسأل عن دليل ذلك، فقالت عائشة رضي الله عنها: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، والمعنى أنه كان يصيبهن ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فتكون المرأة حائضاً أو نفساء والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرها أن تقضي الصيام، ولا يأمرها بقضاء الصلاة.
وكونه يأمرها بالقضاء فالأداء لا يجوز لها، وإلا لما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء.
فالحائض تقضي الصيام، أما الصلاة فلا يجوز لها أن تؤديها أو تقضيها؛ لصعوبة ذلك عليها، فلذلك خفف الله سبحانه عنها في الصلاة، فلا تقضيها وإنما تقضي الصوم.
والحديث رواه البخاري بلفظ: كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم -يعني في وقته وزمانه- فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله، فالذي لا يأمرهن بقضاء الصلاة، ويأمرهن بقضاء الصوم هو النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ فذلك من نقصان دينها) وهذا في حديث طويل، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في أضحى أو فطر -أي: في عيد أضحى، أو في عيد فطر- إلى المصلى -وهو مكان صلاة العيد- فمر على النساء فقال: يا معشر النساء! تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فسألن النبي صلى الله عليه وسلم وقلن: وبم يا رسول الله؟! فقال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير)، ومعنى أن النساء يكثرن اللعن أي: يكثرن الشتم، وكثيراً ما يكون اللعن على ألسنتهن.
ثم قال: (وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟! قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها -فجعل شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد- فقال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها).
والشاهد في الحديث: أن المرأة إذا حاضت ليس لها أن تصوم.
والحائض والنفساء سواء، وإن كان الحديث نص على الحائض فإن النفساء مثلها، كدم الحيض، والحكم واحد.