[النهي عن صيام يوم الشك]
روى النسائي عن سماك قال: (دخلت على عكرمة في يوم قد أشكل هل هو من رمضان أو من شعبان وهو يأكل خبزاً وبقلاً ولبناً، فقال لي: هلم).
سماك يقول: (دخلت على عكرمة) وهو شيخه.
(في يوم قد أشكل) أي: يوم الشك.
قال: (وهو يأكل خبزاً وبقلاً ولبناً، فقال لي: هلم) أي: تعال كل.
(فقلت: إني صائم) وكأن سماكاً قد احتاط فصام هذا اليوم فلعله يكون رمضان.
(فقال: وحلف بالله لتفطرن) أي: فأقسم عليه أن أفطر.
قال: (قلت: سبحان الله! مرتين، فلما رأيته يحلف لا يستثني) لا يستثني أي: لا يقول: إن شاء الله، أي: لم يقل له: والله! إن شاء الله افطر، ولكن قال: والله لتفطرن، أقسم عليه.
قال: (تقدمت، فقلت: هات الآن ما عندك) أي: بعدما أكلت سألته: لماذا حلفت علي؟! قال: (سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حاله بينكم وبينه سحابة أو ظلمة فأكملوا عدة شعبان).
إذاً: إذا لم تروا الهلال فأكملوا عدة شعبان.
(ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً) أي: لا تقدموا قبل الشهر، وتقولوا: سوف نصوم يوماً قبله احتياطاً، وحين يأتي العيد تقولون: نصوم يوماً احتياطياً فتجعلون رمضان اثنين وثلاثين يوماً أو واحداً وثلاثين يوماً، ولكن لا تحتاط قبله ولا بعده.
قال: (ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان).
إذاً: على ذلك الشهر ينفصل عن غيره من الشهور.
يقول ابن المنذر في كتاب الإشراف: صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجوز بإجماع الأمة، وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته.
وقال الحافظ ابن حجر: هكذا أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره، أي: الذي يعمل بالحساب أو بغير الحساب يكره عليه صيام هذا اليوم طالما أنه لم ير الهلال.
فمن فرق بينهم كان محجوجاً بالإجماع قبله.
والمقصود أنه ليس هناك فرق بين من يحسب وبين من لا يحسب، والحساب في الماضي كان حساباً ظنياً أما إذا كان الحساب مبنياً على المراصد وعلى تصوير الهلال في ليالي الهلال، وأنه في يوم كذا سوف يكون في مكان كذا، وغداً سيكون في مكان كذا، وإذا كان الاعتماد على هذه الآلات الدقيقة ففي هذه الحالة لن يصلح الهلال أن يكون أمارة لتصديق الشاهد أو لتكذيب الشاهد، فعلى ذلك لا يصح الاعتماد على الرؤية الفلكية أو الحساب الفلكي ولكن الأصل هي الرؤية البصرية فإذا جاء إنسان وقال: رأيت الهلال، والحساب والمراصد تقول: إنه يستحيل أن يرى، فعلى ذلك يقال: هذا الإنسان لم ير، فعلى هذا يصلح الحساب الفلكي من المراصد ونحوها لنفي قول صحة الشاهد، وربما أنه قد يكون رأى شيئاً آخر ولم ينتبه وكان على عينه شيء، وسوف نبين هذا الكلام.
والحساب موجود في الماضي، فقد كان الناس يحسبون الشهور، وعلى عدد الأيام يوقتون لشهر رمضان، يقول الحافظ ابن حجر: لا يعتمد على مثل هذا الحساب.
فإذا كان الحساب وصل إلى أمر قطعي وأنه معتمد على مراصد وغيرها فعلى ذلك نقول: الأصل الرؤية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هذا الحساب يصلح لتصديق شهادة الشاهد أو ردها.
قال ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا) يعني: مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.
قال ابن حجر: المراد بالحساب المنفي هنا حساب النجوم وتسييرها فلم يكونوا يعرفون من ذلك إلا النزر اليسير، أي أن الصحابة لم يكونوا يعرفون حساب النجوم ولا الحساب الفلكي، فلا يقيد الأمر بشيء لا يعرفونه.
يقول ابن حجر الهيتمي: وقع تردد فيما لو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية وأنه مستحيل أن يرى الهلال هذه الليلة، فكيف رآه هذا الإنسان؟! يقول ابن حجر الهيتمي الشافعي: والذي يتجه منه أن الحساب إن اتفق أهله على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ردت الشهادة وإلا فلا.