الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
ذكرنا شيئاً من الأحاديث التي جاءت في فضائل القرآن، وهذه أحاديث أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل هذا القرآن العظيم، نقرأ هذه الأحاديث في هذه الليالي المباركة من شهر رمضان لنتذكر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ونهتم بحفظ القرآن، وقراءته ومراجعته وفهمه وتدبر معانيه.
فمما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان فعملت مثلما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان فعملت مثلما يعمل).
هذا الحديث العظيم فيه أنك إذا وجدت إنساناً خيراً منك فتغبطه على ما هو فيه، وتتمنى أن تكون مثله لعل الله عز وجل أن يجعلك مثله، فإن لم تكن مثله فيعطيك من الأجر ما يعطي بحبك له، وبتمنيك أن تصل إلى ما هو فيه، فهذا الحسد المقصود منه أن تغبط هذا الإنسان وأن تتمنى له هذه النعمة وأن يكون لك مثلها أيضاً، فاثنان يتنافس المؤمنون فيهما أعظم التنافس: القرآن العظيم، أي: تحفظ القرآن، فإذا حفظت القرآن وتعلمت معانيه وقمت به بالليل وبالنهار وعملت بما فيه صرت إنساناً قرآنياً تستحق فضل الله سبحانه، وتستحق أن يشفع لك القرآن عند الله سبحانه، وتستحق أن يعطيك الله الأجر العظيم الذي علمت منه والذي لم تعلم منه، وبكل حرف من القرآن تؤجر حسنة، فإذا كنت تقوم بالليل وبالنهار بهذا القرآن العظيم فلك عند الله الأجر العظيم.
وإذا كان الأمر كذلك فلنغبط أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ معاذاً وأبا موسى وزيداً وعبد الله بن مسعود وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يحفظون هذا القرآن العظيم، ويقرءونه آناء الليل وأطراف النهار ويعملون بما فيه، ويعلمون الخلق، فلنغبط عبد الله بن عباس رضي الله عنه الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه الله الكتاب والحكمة وأن يعلمه التأويل، حبر هذه الأمة وبحرها رضي الله تبارك وتعالى عنه.
(فلا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن)، والفضل ينسب لصاحبه الذي علمك ما لم تكن تعلم وهو الله سبحانه وتعالى، وإن كان عن طريق أسباب فلا تنسى الأصل أن الله هو الذي علمك فتحمد الله سبحانه، وتعمل بهذا الذي تعلمته متواضعاً لله سبحانه، وتعلم أن الذي أعطاك قادر على أن يسلبك ما أعطاك، والذي أعطاك ذلك قادر على أن يعينك على أن تعمل بما فيه، إذاً: تتواضع لله سبحانه وتعالى، وتشكر ربك سبحانه، وتشكر من علمك كما أمرك النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال:(من لم يشكر الناس لم يشكر الله)، وتتمنى الخير لمن يعلمك كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تتمنى أن يزول ما عنده حتى تتفرد أنت بهذا الشيء، وقد كان الكثيرون من شيوخ العلماء يشتكون ذلك من تلاميذهم، يقولون: نعلمهم ثم يتمنون وفاتنا حتى ينفردوا بالرواية، وحتى ينفردوا بالتلاوة عمن تعلموا، ولكن المؤمن لا يكون كذلك أبداً، فإذا وجد إنساناً قد علمه ومنَّ الله عز وجل عليه بأن جعله يلقنه القرآن ويعلمه التجويد، فيصير معه إجازة بهذا القرآن أو بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ويصير بارعاً في ذلك، إذاً: يشكر من علمه ولا يتمنى أن يموت ليتفرد بين الناس بهذا الأمر، فهذا الحسد أنت ممنوع منه شرعاً، إنما الحسد الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم وقصد به: أن تغبط هذا الذي عنده علم وتتمنى أن تكون مثله.
والثاني: الرجل الذي آتاه الله عز وجل المال فهو ينفقه فيما يرضي ربه سبحانه، قال:(فهو يهلكه في الحق)، وإهلاك المال بمعنى: صرف المال، فهو يعطي ليدخر عند الله سبحانه وتعالى، ولما رآه آخر قال:(ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان)، فيتمنى أن الله يعطيه مثلما أعطى فلاناً هذا، والله عز وجل يعطي من يشاء سبحانه.