[آداب حامل القرآن]
فالقرآن عظيم، ولذلك ينبغي على المؤمن الذي يحفظ القرآن أن يكون متأدباً بآداب القرآن، فعندما نقول: يحفظ القرآن، لا يشترط أن يحفظ جميع القرآن، ولكن حتى ولو كان يحفظ بعض سور القرآن فليظهر أثر القرآن على المؤمن الذي يحفظه، ولذلك قال العلماء في آداب حامل القرآن: ليكن حامل القرآن على أكمل الأحوال، وأكمل الشمائل وأكرمها، ويرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه، ويرتفع عن الصغائر، وعن أن يقع في مطامع الدنيا، وكل ما نهى عنه الله عز وجل فليتجنبه؛ لأنه يحفظ القرآن، ويعمل بما فيه، ويتصون عن دنيء الكسب، ولا تكن حياته بالكسب الدنيء، طامعاً فيما في أيدي الناس، ولا يمد يده ليأخذ أموال الناس موهماً أنه يعمل وهو لا يعمل شيئاً، وإنما يأكل أموال الناس بالباطل، فيرفع نفسه عن دنيء المكاسب، وليكن شريف النفس عفيفها.
فالقرآن عزيز، كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت:٤١]، وقارئ القرآن يجعل الله عز وجل له العزة لو أنه تعزز بربه وبكتاب ربه، وتعزز باتباع نبيه صلوات الله وسلامه عليه، ورفع نفسه عن أن ينظر إلى ما في أيدي الناس، فقد يكون فقيراً، ولكن مع فقره يستشعر الغنى في قلبه، فلا يمد يده إلى أحد من الناس، ولا يطلب من أحد أو يسأل أحداً بلسانه شيئاً لنفسه، وإنما هو متصون ومتعفف؛ لأنه يحفظ القرآن.
قال الإمام النووي: وليكن متواضعاً للصالحين، وضعفة المسلمين، متخشعاً، ذا سكينة ووقار.
وإذا أردت أن تعرف نفسك هل أنت متواضع أم لا؟ فانظر لنفسك حين تخاطب الإنسان الفقير والمسكين، والذي هو أقل منك وصاحب الحاجة، وصاحب العاهة المريض، فحين تخاطب هذا الإنسان وترى فضل الله عز وجل عليك في أنه شفاك مما ابتلى به هذا، وتحنّ عليه، وترحمه وتشفق عليه، وتستمع لحاجته، فهذا هو التواضع، فالتواضع للخلق هو: أن يظهر تواضعك مع من هو دونك من الخلق، وليس مع من هو أعلى منك؛ لأن الذي هو أعلى منك إما أن تتواضع له اختياراً، وإما أن يجبرك على ذلك؛ لأنك لا تقدر أن تترفع عليه، ولن يقبل منك، ولكن التواضع الحقيقي: هو أن تتواضع لمن هو أقل منك، وتحمد ربك سبحانه على ما أعطاك من فضله.
قال الحسن البصري رحمه الله: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار، فالقرآن كتاب رب العالمين، والرسول اسمه رسول لأنه جاء برسالة صلوات الله وسلامه عليه، وهذه الرسالة ليست له وحده، وإنما للأمة جميعها، فينبغي على الأمة أن يقرءوا هذه الرسالة، ويتمعنوا فيها، ويتدبروا معانيها، وينفذوها، فيسهرون الليل يقرءونها، وبالنهار يعملون بما فيها.
كما قال الحسن البصري رحمه الله: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار، رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.
ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله: حامل القرآن حامل راية الإسلام، ينبغي ألا يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يغلو؛ تعظيماً لحق القرآن.
أي: أن الحافظ للقرآن والذي يحبه ويتعلمه ويحفظ منه شيئاً فليظهر أثره عليه.
والقرآن تعلمه الصحابة بالصورة التي ذكرناها، فحفظوا القرآن خلال سنوات، وأخذوا القرآن بالعمل والحفظ والمذاكرة والإتقان، والتعليم لهذا القرآن العظيم، فينبغي لحافظ القرآن ألا يلهو مع من يلهو، فلا تكن حياته كلها لهواً، ولا يسهو مع من يسهو، والناس يغفلون عن كتاب الله وعن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويغفلون عن الأحكام، ويتغافلون عن صلواتهم، أما حافظ القرآن فلا يغفل، وإنما يعرف: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣]، ويعرف حق الله عز وجل في كل وقت، ويؤدي حق الله.
وليس معنى ذلك: أنه لا يضحك ولا يتبسم، ولكن ليكن كل شيء باعتدال وحدود، فيضحك وقت الضحك على ما يكون، ولا يستفيض في ذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى ضاحكاً حتى تبدو لهواته، صلوات الله وسلامه عليه، وإنما كان يتبسم عليه الصلاة والسلام.
ولا يلغو مع من يلغو، فحافظ القرآن قد شرفه الله بأن جعل في جوفه القرآن العظيم، كلام رب العالمين، فلا يجلس في مجلس نكت أو مزاح أو غيبة أو نميمة أو وقيعة في أعراض الناس ويسمع لهذا الكلام، وإنما يقرأ القرآن، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يضيع ما يحفظ بمثل ذلك.
وكذلك لا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو؛ تعظيماً لحق القرآن، بل يحافظ على ما يحفظ من القرآن بالمراجعة، وبكثرة المذاكرة، وخاصة بالليل، فوقت الليل وقت سكون وخشوع وتدبر، فينبغي على قارئ القرآن أن يهتم به في كل وقت، وخاصة بالليل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء، وذلك كل ليلة)، فإذا كان يقرأ القرآن فيها فلعل الله عز وجل يعطيه ما يسأله ويطلبه.
وليحذر من نسيان القرآن، فإذا كنت تحفظ القرآن وتفلت منك شيء فراجعه قبل أن تحفظ شيئاً جديداً، فإنه مصيبة أن يتفلت منك ما تحفظه من القرآن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفصياً -أي: تفلتاً- من الإبل في عقلها)، أي: من الجمل إذا كان مربوطاً في عقاله فإنه يحاول أن يفلت من العقال، فإذا كان مربوطاً ربطاً محكماً فإنه لا يقدر على أن يفلت، وإذا كان مربوطاً ربطاً خفيفاً فإنه يشد نفسه ويفلت، وكذلك القرآن، فلا تغتر بحفظك، بل راجع القرآن دائماً، حتى لا تنسى كتاب الله سبحانه وتعالى؛ لأن القرآن عظيم، فهو كتاب رب العالمين، إن صنته صانك، وإن تركته تركك، والقرآن عزيز لا يحتاج إليك، بل أنت الذي تحتاج إليه، فكلما أقبلت عليه أقبل عليك، وكلما تهاونت به وتركته تركك، فهو كتاب عزيز: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢].
وللناس أدب مع القرآن كما يقول العلماء، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢]، فالإنسان الذي يعظم دين الله سبحانه وحدوده، وكتاب الله سبحانه، فيعمل بذلك، ويحترم هذا القرآن العظيم، ويوقره وينزله المنزلة التي يستحقها، فهذا دليل على وجود التقوى في قلب هذا الإنسان المؤمن.