[القراءة في صلاة الوتر]
وقد ذكرنا سابقاً ما هو الذي يقرأه في الوتر، وأيضاً روى الترمذي عن عبد العزيز بن جريج قال: سألنا عائشة: (بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١]، وفي الثانية بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١]، وفي الثالثة: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] والمعوذتين).
وكان أحياناً يوتر بغير ذلك، فروى النسائي عن أبي مجلز: (أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها، فقرأ فيها بمائة آية من النساء، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وأيضاً يجوز أن يقرأ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:٦٤]، في الثانية، ويقرأ في الركعة الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ} [البقرة:١٣٦].
إذاً: فأمر الوتر واسع فسواء قرأ بآية في الأولى بعد الفاتحة وآية في الثانية بعد الفاتحة، وختم في الأخيرة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، أو قرأ بآية واحدة من ذلك، أو قرأ بمائة آية من سورة النساء، وأفضل شيء أنه يقرأ بما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقرأ عليه الصلاة والسلام بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١].
وجاء أن القراءة بـ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران:٦٤]، وقوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة:١٣٦]، كان يقرأ بها في ركعتي الفجر، وكذلك: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١]، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] لأن هذه الآيات بالليل لها فضيلة، فقرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة الفجر، وقرأ في الوتر بمائة من النساء، وقرأ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] وبالمعوذتين.
ويستحب لمن فاته قيام الليل أن يصلي بدله من النهار كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء عنه: (من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل).
وملخص ما مضى في الوتر وفي سنة الفجر: أما الوتر فهو إحدى عشرة ركعة، وما جاء أنه صلى ثلاث عشرة فهو محمول على أنها سنة الفجر، أو أنهما ركعتان زائدتان كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يصلي أكثر من ثلاث عشرة.
والوتر يقرأ فيها بما شاء من القرآن، ولكن أفضل شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقرأ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:١]، وهذا في الركعة الوحيدة للوتر، وإذا كان في الثلاث الركعات فيقرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] في الأولى، والثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١]، والثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، أو {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] والمعوذتين يقرأهما.
فإذا أطال في ركعة الوتر جاز أن يقرأ من سورة طويلة كأن يقرأ سورة النساء، وجاز أن يقرأ أقل من ذلك بما يتيسر له، لكن هذه سنته صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان في رغيبة الفجر، وهما الركعتان بعد الوتر، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، في الشفع وأيضاً في الوتر، وفي سنة الفجر كذلك: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران:٦٤]، {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة:١٣٦] وسنة الفجر تعتبر من صلاة الليل لأنها في الغلس.
والقراءة في التراويح يقرأ بما شاء من القرآن، ولكن استحب جماهير العلماء أن يختم القرآن في صلاة التراويح ولو مرة في رمضان.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما قراءة القرآن في التراويح فمستحب باتفاق أئمة الإسلام، بل إن من أجل مقصود التراويح قراءة القرآن كله فيها كي يسمع المسلمون كلام الله إذا وهذا له نظير في السنة أن المسلم يسمع القرآن كله ولو مرة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذاكره جبريل القرآن كله فيه، وبعض الناس يقول: لماذا تقرأ القرآن كله ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟
و
الجواب
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بالمسلمين رمضان كله، ولو صلى بهم لعرف ذلك، فنقول: إن هذا ليس واجباً، لكن يستحب له أن يسمع الناس القرآن كله.
يقول ابن تيمية رحمه الله: إن شهر رمضان فيه نزل القرآن، وفيه كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن.
يقول: وقد ذهب الحنابلة وأكثر الحنفية إلى أن السنة أن يختم القرآن الكريم في صلاة التراويح يسمع الناس جميع القرآن، قال الحنفية: السنة الختم مرة، فلا يترك الإمام الختم لكسل القوم.
فإذا كان هذا الختم يشق على الناس فيقرأ بحسب ما يتيسر ولا يشق على الناس.
روى ابن أبي شيبة عن أبي عثمان قال: دعا عمر القراء في رمضان فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين أية، والوسط خمساً وعشرين، والبطيء عشرين آية.
وروى مالك في الموطأ عن الأعرج قال: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف.
وكأنه زاد الركعات من أجل ألا يشق على الناس بالقراءة الطويلة، فيقرأ سورة البقرة في ثنتي عشرة ركعة فلا يشق عليهم.
وروى مالك عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين.
وسور المئين هي السورة التي تتعدى آياتها المئة آية، مثل: سورة الكهف، وسورة هود، وسورة يونس، وسورة الإسراء، وغيرها.
يقول: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر.
أي: قرب طلوع الفجر.