[عظمة بناء الجنة وغرفها]
قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفة -وفي حديث آخر-: غرفاً) أي: ليست غرفة واحدة، فكلمة (غرفاً) اسم جنس، وهذه الغرف أعدها الله عز وجل للمؤمنين، ومعنى الغرفة: المنزلة العالية في الجنة, وهذه المنزلة العالية فيها القصور, وفيها البساتين, وفيها مالا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر, وأعد الله عز وجل للمؤمن هذا النوع من أنواع الثواب: وهو الغرف العالية التي يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها, ولعلك وأنت تبني بيتاً تتمنى أن يكون هذا البيت بيتاً عظيماً، وتتمنى وأنت خارج هذا البيت أن ترى ما بداخله أنت وحدك فقط, فالجنة قصورها لبنة من ذهب ولبنة من فضة, وإذا نظرنا إلى الذهب والفضة في الدنيا فإنه شيء ثقيل كثيف يحجب ما وراءه, لكن في الجنة يكون البيت من لؤلؤة, بل يكون من ذهب أو فضة, ويجعل الله العبد المؤمن يرى ما بداخله وهو في خارجه, فيستمتع وهو في الخارج بالثمار والبساتين وبما يشاء، وإذا أراد أن ينظر إلى زوجته من الحور العين بداخل القصر ينظر إليها ويراها, وهذا نعيم مقيم عظيم وهو لمن كان من المؤمنين من الرجال أو من النساء الذين يفعلون ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم, حيث قال: (أعدها الله لمن أطعم الطعام)، أي: لمن يطعم الفقراء والمساكين، ويهدي لأصدقائه وأحبائه، ويصل أرحامه، ويطعم الصائمين فيفطرهم ويفعل الخير, وقوله: (وألان الكلام)، أي: وكان كلامه ليناً طيباً لا تنفير فيه, بل كلامه يحبب الخلق فيه, تراه منشغلاً بطاعة الله سبحانه وتعالى, وبذكر الله سبحانه وتعالى, فهو يكثر من الصيام, ويكثر من الصلاة.
وقوله: (وتابع الصيام) بمعنى: صام نوافل كثيرة, وقوله: (وصلى والناس نيام)، أي: قام لله عز وجل مصلياً, وفي شهر رمضان قد تصلي مع الناس وترجع إلى بيتك, فانتهز الليل وصل فيه ركعات ولو خفيفات تصليها وحدك وأنت في جوف الليل لا يراك أحد, حتى تحصل على هذا الثواب وهذا الأجر, ولا تقل: أنا لست حافظاً للقرآن, بل اقرأ ولو بـ (قل هو الله أحد) , فهذه سورة عظيمة وهي ثلث القرآن, فاقرأها مع الفاتحة, فهي سبع آيات، وهي المثاني وهي القرآن العظيم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم سورة في كتاب الله عز وجل, أو اقرأ الفاتحة مع (قل يا أيها الكافرون) , أو افتح المصحف واقرأ فيه إن شئت وأنت في صلاة الليل, فإذا فعلت ذلك فقد قمت بالليل والناس نيام، وحصلت على مثل هذا الأجر العظيم.
فصلاة الليل صلاة عظيمة سواء صليت في أول الليل, أو في آخره, مع الناس أو والإنسان وحده، فهذا كله خير وحسن.