والأولى في القراءة أن يقرأ على ترتيب المصحف، سواء قرأ في الصلاة أو في غير الصلاة، وهذا الترتيب الذي في المصحف هو الذي كان في آخر عرضة عرضها جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان على هذا الترتيب.
وهذا الترتيب لهذه السور له حكمة من الله عز وجل، سواء عرفنا أو لم نعرف، وهو شيء توقيفي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السبع الطول على ترتيبها، وإن كان قد جاء عنه أنه قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران، وهذا لبيان الجواز، وفي قيام الليل يجوز أن تقرأ بسورة من أول القرآن، ومن آخره، وإن كان الأفضل أن تقرأ مرتباً.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ السبع الطوال من أول القرآن في قيامه بالليل لم ينقل عنه أنه قرأها على غير ترتيبها المعهود، وإنما قرأ مرة واحدة بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، فقالوا: لقد كان الترتيب على ذلك، وهو الذي ورد في مصحف ابن مسعود، ولعله كان قبل العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كان ابن مسعود من حفاظ القرآن، ولكنه لم يكن من الكتاب الذين كتبوا القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان متمسكاً بالقراءة القديمة، وقد نسخت أشياء لم يطلع عليها رضي الله تبارك وتعالى عنه، فالذي بين أيدينا من ترتيب المصحف هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عرضة عرضها مع جبريل، فالأولى أن يقرأ القرآن على ذلك.
ولو قرأ على غير ذلك، كأن بدأ بسور قبل سور فهذا جائز، ولكن الأولى الترتيب، يقول النووي رحمه الله: لأن ترتيب المصحف لحكمة فلا يتركها، وترتيب المصحف حكمة من الله عز وجل، سواء عرفناها أو لم نعرفها، فلا يترك هذا الترتيب الذي عليه المصحف الكريم إلا فيما ورد الشرع بالتفريق فيه.
أي: أن الأصل أن المصحف مرتب على هذه الصورة، فيكون الأصل قراءته بهذه الصورة، ولكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين أنه يجوز أن يقرأ على غير هذا الترتيب، وذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قرأ في صلاة العيد بـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)، ولم يقرأ السورة التي بعدها، وإنما قرأ:(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).
وكذلك في الفجر يوم الجمعة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بـ (الم) السجدة، وقرأ بعدها سورة الإنسان، وكان يواظب على قراءته لهاتين السورتين في صلاة الفجر يوم الجمعة، فهذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فنفعل كما فعل صلوات الله وسلامه عليه، وأما غير ذلك فالأولى أن يكون على ترتيب المصحف.
يقول النووي رحمه الله: فلو فرق أو عكس جاز، ولكنه ترك الأفضل، أي: إذا قرأ سورة قبل سورة، أو سورة بعد سورة، فقرأ هذه أولاً وهذه ثانياً، على عكس ترتيب المصحف، أو غير مرتبتين، فهذا لا شيء فيه.