[مقدار الفدية]
الفدية إطعام مسكين لكل يوم؛ لما روى البخاري عن عطاء: أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:١٨٤] وكأنه يقرؤها ويفسرها: بأنهم لا يطيقونه.
ويطيق: يكلف بالصوم، فيكون فيه مشقة شديدة، فلا يطيقه ولا يقدر عليه.
قال ابن عباس: ليس بمنسوخ، وإنما الشيخ والكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكين، كأنه يقول: الآية خصصت هؤلاء، وليست منسوخة ولا مرفوعة الحكم بالكلية، فجزء منها رفع حكمه، والجزء الآخر باق، فأول ما نزلت كان من يطيق الصوم يجوز له أن يفطر ويطعم، فـ ابن عباس يقول: ليست منسوخة بالكلية، فالنسخ بمعنى الرفع والإزالة للحكم كله، وهذه الآية خصصت بالبعض، وهم الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، وكذلك المريض مرضاً مزمناً.
وقال أيضاً البخاري في صحيحه: وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس -بعدما كبر- عاماً أو عامين، وذلك أنه لما كبر في السن وشق عليه أن يصوم أطعم رضي الله عنه، فكأن فعله فسر معنى الآية.
فـ ابن عباس قال وأنس فعل رضي الله عنه، فأطعم عاماً أو عامين عن كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً، وأفطر رضي الله تعالى عنه، وفي هذا جواز إطعام الخبز في الفدية، وهذا الصواب، ولا يجب عليه أن يطعم الطعام الذي يجزئ في زكاة الفطر كالقمح أو الشعير، كما ذهب إليه بعض من أهل العلم، فالراجح أنه يجوز له أن يطعم خبزاً ولحماً، أو يطعم ما يأكل منه الناس.
وروى أبو يعلى في مسنده عن أيوب بن أبي تميمة قال: ضعف أنس عن الصوم، فصنع جفنة من ثريد، فكأنه أتى بشربة ونحوها ووضع فيها الخبز واللحم، فدعا ثلاثين مسكيناً فأطعمهم رضي الله عنه.
ويجزئ في ذلك مد من طعام، والمد: ملء الكفين أو ربع الصاع، فصاع التمر قدر بكيلو ونصف تقريباً، وربعه هو الذي نسميه المد.
كذلك المد إذا كان من القمح أو من الأرز ونحو ذلك سيكون حوالي نصف كيلو أو أكثر قليلاً، هذا إذا كان الإنسان سيطعم أقل ما عنده، فيجزئ عنه ذلك.
ولكن العادة أن ذلك ليس بطعام أكثر الناس، فما كان طعاماً للإنسان فليعط مثله للفقير، والأفضل أن يطعم مسكيناً من أوسط ما يطعم أهله، والذي يأكل منه قياساً على كفارة اليمين، وهذا الأنفع للفقير.
قال ابن قدامة في كتاب الكفارات: أما مقدار ما يعطى كل مسكين وجنسه فقد نص أحمد على أنه يجزئ الدقيق والخبز، فلو أعطينا الفقير دقيقاً أو خبزاً أجزأ ذلك، وروي عنه: لا يجزئ الخبز، وهو قول مالك والشافعي؛ لأنه خرج عن حالة الكمال، ولكن في مثل زماننا عندما نخير الفقير بين القمح والخبز فسوف يأخذ الخبز.
إذاً: فالأفضل في الكفارات أن تكون مما يأخذه الفقير ويأكله مباشرة، ولذلك فإن الراجح أنه يجزئ الخبز.
يقول ابن قدامة مرجحاً ذلك: قال الله عز وجل: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة:٨٩] وهذا قد أطعمهم من أوسط ما يطعم أهله فثبت أنه يجزئه.
وروى الإمام أحمد في كتاب التفسير عن ابن عمر: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:٨٩] قال: الخبز واللبن.
وفي رواية: الخبز والتمر، والخبز والزيت، والخبز والسمن.
وعن علي: الخبز والتمر، والخبز والسمن، والخبز واللحم، وسبق أن أنس بن مالك أطعمهم العيش واللحم.
يقول: وهذا يفارق الزكاة، فزكاة الحبوب والثمار تكون من الحبوب، ولا يصلح أن تكون من ثمن تلك الحبوب أو من أي شيء آخر.
والواجب في الحبوب العشر أو نصف العشر منها، والثاني: أن دفع الزكاة يراد بها الاقتيات إذا كانت الزكاة من الحبوب والثمار فلا يجوز أن يصنع للفقير بدلها خبزاً؛ لأن الحبوب أنفع له، فسوف يدخره خلال السنة وينتفع به، أما الخبز فسوف ينتفع به يوماً أو يومين ثم ينتهي، ولذلك فإن الزكاة بأن تعطي للفقير ما يقتات عليه وينتفع به لفترة طويلة، وهذا هو الفرق بينهما وبين الكفارة، فالكفارة تعطى للفقير ليأكلها، والزكاة ليأكلها وليدخرها ويقتات عليها.
يقول: الخبز أقرب؛ لأنه قد كفاه مؤنة طحنه وخبزه.