[كراهة الهذ في قراءة القرآن]
قال العلماء: وقد اتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع بحيث أنه لا يفهم الذي يقرؤه، فيكره أن يقرأ قراءة سريعة من غير ترتيل أو تدبر أو تأمل لما يقرؤه.
وهذه القراءة تسمى: الهذ، أي: القراءة السريعة.
قال الإمام النووي: وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزئين في قدر ذلك الزمن بلا ترتيل.
يعني: إذا خيرت بين قراءة جزء من القرآن بترتيل وعرفت أنك ستقرؤه في ثلث ساعة أو نصف ساعة مثلاً، وإذا قرأته سريعاً ستقرؤه في عشر دقائق؛ فإن قراءتك لهذا الجزء مرتلاً له أفضل من قراءتك جزئين في الوقت نفسه بغير ترتيل.
قال العلماء: والترتيل مستحب؛ للتدبر، ولأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير، وأشد تأثيراً في القلب؛ ولهذا يستحب الترتيل للأعجمي حتى ولو كان لا يفهم القرآن.
وكثير من الأعاجم لا يفهمون القرآن، مع أنك تجد الكثيرين منهم في باكستان وأندونيسيا وغيرهما من البلدان يقرءون القرآن قراءة جميلة جداً، وهم لا يفهمون معناه، وتجدهم يحفظون القرآن، وهذا من فضل الله العظيم سبحانه حيث قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:١٧]، فقد يسر الله القرآن لذكره سبحانه، ويسره لأن يحفظ، فحفظه العرب وحفظه العجم الذين لا يفهمون معناه، فتجد أحدهم يقرؤه ويرتله ويحدث له في قلبه خشوع، ولعله يبكي وهو لا يفهمه، ويحاول أن يفهم منه شيئاً، فنحن الذين نتكلم اللغة العربية ونجيدها قراءة وكتابة أولى بذلك، فعندما نقرأ القرآن ونفهم معانيه ينبغي أن يحدث ذلك لنا الخشوع الحقيقي والخوف من الله سبحانه وتعالى.
قال العلماء: ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ من العذاب أو من الشر، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال: تبارك الله، أو: جلت عظمة ربنا، ونحو ذلك.
روى الإمام مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، قال: فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، قال: فمضى، فقلت: يركع عند المائتين، قال: فمضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، ثم افتتح آل عمران فقرأها)، وهذه السورة أطول ثلاث سور في القرآن، وقد قرأها صلى الله عليه وسلم قراءة فيها ترتيل وخشوع، كما قال حذيفة: (يقرأ مترسلاً -أي: على مهله- قال: إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ)، وانظر إلى هذه القراءة كم ستأخذ من الوقت! قال: (ثم ركع فجعل يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه).
وعدد آيات سورة البقرة مئتان وست وثمانون آية، وسورة النساء مائة وست وسبعون آية، وسورة آل عمران مائتا آية.
فكان في ركوعه يقول: سبحان ربي العظيم بقدر هذا، وهذا شيء طويل جداً، قال رضي الله عنه: (ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه)، وعلى هذا فإن ركعة واحدة تأخذ الليل كله منه صلوات الله وسلامه عليه.
فقد كانت قراءته صلوات الله وسلامه عليه قراءة فيها خشوع وفيها خوف من الله.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نأتسي به ونقتدي به حتى نلقاه صلوات الله وسلامه عليه على حوضه، غير مبدلين ولا مرتدين على أدبارنا.
ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا الإخلاص والعمل الصالح والقبول.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.