لما كان عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه اختلف الناس في القراءات، فإذا بـ عثمان يأمر بإحضار المصحف الذي كان موجوداً عند أبي بكر، فلما توفي أبو بكر كان موجوداً عند عمر، فلما توفي عمر كان موجوداً عند حفصة، ففي عهد عثمان حصلت فتوحات كثيرة للمسلمين، وذهب أئمة الصحابة إلى البلدان، وكل منهم يقرأ بقراءة، فهذا يقرأ بقراءة، وهذا يقرأ بقراءة، وهذا يقرأ بقراءة، فأهل هذا البلد أخذوا بقراءة هذا الذي ذهب إليهم يقرئهم, وأهل البلد الآخر أخذوا بقراءة غيره من القراء، فلما اجتمع بعض الناس الذين يحفظون القرآن وهم جنود في الجيوش، فهذا يقرأ، ويقوم الثاني فيقول له: أنت تقرأ خطأ، فيقول له: كيف وقد علمني فلان؟ فقد كفرت؛ لأنك تنكر شيئاً من القرآن، فهنا سيكفر بعضهم بعضاً، فإذا بهم يرسلون إلى عثمان: أدرك الناس قبل أن يكفر بعضهم بعضاً، فالناس مع عدم اطلاعهم على جميع ما في القرآن إذا بكل واحد منهم يتمسك بالذي حفظه فقط.
فهنا يأتي عثمان رضي الله عنه بعمله الجليل فيأخذ المصحف من حفصة، حيث أرسل إليها رسولاً فقال: أرسلي إلينا بالمصحف وسنرده إليك، فأخذ منها المصحف، وأمر الكتاب فكتبوا ستة مصاحف من هذا المصحف الإمام، ووزعه على البلدان، وسمي: المصحف الإمام، أي: المصحف الذي أمر عثمان بنسخه، وعثمان ليس هو الذي كتبه، وإنما الذي كتبه في عهد أبي بكر زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، فكانت الفضيلة لـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم الفضيلة لـ زيد، ثم الفضيلة لـ عثمان، ثم الفضيلة لمن حافظ على كتاب الله عز وجل بعد ذلك.
فهذا القرآن العظيم الذي وصل إلينا سهلاً، الآن تجد المصحف مكتوباً: هذا مصحف بقراءة حفص عن عاصم، وهذا مصحف بقراءة قالون عن نافع، وهذا مصحف بقراءة أبي عمرو، والآن بدأ القراء أكرمهم الله يقرءون في الإذاعة وغيرها بالقراءات، هذا يقرأ بقراءة السوسي، وهذا يقرأ بقراءة الدوري، وهذا يقرأ بقراءة فلان، وهذا يقرأ بقراءة فلان.
فهذا كله يدل على فضل هذا القرآن العظيم الذي نزل من السماء على النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يسره الله عز وجل للذكر، فهو الكتاب الوحيد الذي تقرؤه سهلاً؛ لأن الذي يسره هو رب العالمين سبحانه، قال تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:١٧].
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعلمنا القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يهدينا صراطه المستقيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.