[استحباب صلاة الوتر]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
تكلمنا عن صلاة التراويح سابقاً وذكرنا أنها تسمى بصلاة التراويح، وتسمى بصلاة القيام، وهي نفسها صلاة الوتر، وإن إذا ذكرنا أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ركعتين ويوتر بواحدة فنقصد هنا بالواحدة الوتر، وهي آخر ما يصليها صلى الله عليه وسلم، أو الثلاث الوتر آخر ما يصليها صلى الله عليه وسلم، والوتر عكس الشفع.
فصلاة التروايح وإن كانت إحدى عشرة ركعة أو ثنتي عشرة ركعة إلا أنها تسمى بصلاة الوتر لأنها تختم بالوتر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ثمان ركعات ويختم بثلاث وهي الوتر، وكان الغالب من حاله صلى الله عليه وسلم أن يصلي ركعتين ركعتين في صلاة القيام، ويوتر بركعة واحدة صلوات الله وسلامه عليه.
روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء، وهي التي يدع الناس العتمة)، وهذا التفسير لأن البعض كان يسمي المغرب العشاء، ويسمي العشاء العتمة، وهؤلاء الأعراب، فكأنها أرادت أن تبين من أجل ألا يخطئ أحد فيظن أن العشاء هي المغرب، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ الناس من صلاة العشاء وهي التي يدع الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة).
وقال: ابن عمر رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الوتر والشفع بتسليمة، ويسمعناها).
يجوز أن تقول: الوِتر والوَتر، ففيها لغتان، فله في صلاة أن يوتر بثلاث وخمس ولا يجلس ولا يسلم إلا في الأخيرة، وهذا جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوتر حق)، وكأنه يقول: لا تتركها، ولكن لم يقل ذلك على وجه الإلزام فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأله الأعرابي وسأله غيره عن الصلوات المفروضات، فأخبر أنها خمس صلوات في اليوم والليلة.
وذهب معاذ إلى اليمن في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرجع إلا بعدما مات النبي صلى الله عليه وسلم، فكان آخر ما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم به أن يقول للناس: إن الواجب والفرض الذي عليكم هو الصلوات الخمس، فليس هناك فرض آخر إلا أن يكون بسبب كصلاة الجنازة مثلاً أو نحو ذلك، وأما صلاة النوافل كلها من رواتب وغير رواتب فهي نافلة، والوتر أيضاً من ضمن السنن، ولكن لا ينبغي أن تترك، وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها حضراً وسفراً، فكان وهو حاضر يصلي سنة الفجر والوتر، وكذلك وهو مسافر أيضاً، مع أن الرواتب الأخرى كان يسقطها ولا يصليها في السفر صلى الله عليه وسلم، لكن صلاة الليل، وسنة الفجر، وصلاة الوتر ما كان يتركها صلى الله عليه وسلم لا في السفر ولا في الحضر.
قال صلى الله عليه وسلم: (الوتر حق على كل مسلم)، لو جاء هذا الحديث فقط لكان الوتر لازماً على كل مسلم، ولكن يمنعنا من القول بالوجوب هنا -وإن كان الأحناف قد قالوا بالوجوب- أنه قد جاءت صوارف لهذا الوجوب كقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال الرجل: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)، فدل على أن غيرها تطوع، وهذا الوتر من التطوع الذي لا يلزم، وإنما يتأكد استحبابه.
وأيضاً من الأدلة على عدم الوجوب قضاء الله سبحانه المبرم المحكم في ليلة المعراج، حيث قال: (هن خمس، أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي)، إذاً فليس هناك زيادة على الخمس الصلوات التي فرضها الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم.
فقوله هنا: (الوتر حق) مصروف عن الوجوب والإلزام إلى الاستحباب، وفيه تأكيد الاستحباب.
ومما يدل على الاستحباب أيضاً قوله: (فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)، فدل على الاستحباب لأنه راجع إلى مشيئة العبد.