[وقت صلاة العيدين وما يستحب فيها]
لا يستحب تأخير صلاة العيد عن وقتها، وقتها: بارتفاع الشمس بعد طلوعها، يعني: إذا كان وقت الشروق على الساعة مثلاً ستة وثلث، إذاً: تكون صلاة العيد سبعة إلا ثلث.
إذاً: فنترك قرابة ثلث ساعة بعد شروق الشمس، فوقت صلاة العيد ممدود، ويخرج وقتها بزوال الشمس.
إذاً: عند وقت الزوال يخرج وقت صلاة العيد، والمستحب في صلاة عيد الفطر أن تؤخر شيئاً، خمس دقائق، أو عشر، بحيث يدرك الناس إخراج زكاة الفطر.
والمستحب في عيد الأضحى أن تصلى في أول وقتها؛ ليدرك الناس فيها ذبح الأضاحي وتوزيعها على الناس.
جاء في حديث رواه أبو داود عن يزيد بن خمير الرحبي قال: (خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام)، وكان إمام الصلاة متأخراً كثيراً فـ عبد الله بن بسر وهو صحابي أنكر، وقال: (إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح) لأن الإمام تأخر جداً، فهو يخبر أننا كنا في هذا الوقت قد انتهينا من صلاة العيد وانصرفنا، يعني: في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه أنه لا يستحب التأخير جداً بل (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي)، وهذا فيه أنه قبل أن تخرج لصلاة عيد الفطر، فيستحب أن تأكل حتى تميز بين يوم الصيام ويوم العيد الذي فيه الفطر، فيستحب أن تأكل تمراً أو شيئاً وتخرج لصلاة العيد.
وكلما بكرت كان أفضل، لكن الإمام يحضر في وقت الصلاة، فبمجرد حضوره يصلي بالناس صلاة العيد.
والسنة: أن تصلى صلاة العيد في المصلى، وكلمة مصلى معناها: الفراغ الواسع الذي يسع العدد الكبير من الناس، إذا وجد مثل ذلك فتلك السنة، أي: أن يخرج الناس إلى الصحراء، كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكما في الحديث: (كنا نخرج إلى الجبان) فالجبان معناها: الصحراء، فلكونهم يدفنون الناس في الصحراء أطلق الجبان على المقابر، لكن الأصل أن الجبان معناها: الصحراء، فكانوا يخرجون لصلاة العيد في الصحراء التي تسع كل الناس ويترك مسجده صلوات الله وسلامه عليه.
والآن صعب أننا نأتي بصحراء في هذه الأماكن أو نخرج إليها، فعلى ذلك إذا وجد مسجد يتسع للناس فهذا أحسن، ويكون المسجد في الشارع، وهذا خير بحسب ما يتيسر للناس.
ويستحب خروج النساء؛ لقول أم عطية: (أمرنا أن نخرج فنخرج الحيض) والحيض قلنا: يعتزلن المصلى.
والأولى: أن يخص استحباب خروج النساء بمن يؤمن عليها وبها الفتنة، يعني: المفترض أن المرأة لما تخرج لصلاة العيد أو لأي صلاة في الجماعة أن لا تكون ذات فتنة، فلا تتبرج، ولا تتزين، ولا تضع رائحة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل).
لكن الغرض: أنه إذا خرجت المرأة غير متطيبة، وغير متزينة، وخرجت للصلاة فلا مانع من ذلك، بل هو مستحب، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
ويستحب الغسل للعيدين، ولا يوجد حديث صحيح بالغسل للعيدين وإنما قياساً على الجمعة، فالجمعة يجتمع فيها عدد كبير من الناس، والعيد أكبر عدداً، إذاً: فالغسل في العيد أولى، ولكن لا يوجد نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك، وليس إلا القياس على الجمعة، وفعل الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
ومن السنة: أن يلبس أحسن الثياب لصلاة العيد، وفي ذلك حديث طويل وفيه: (أن عمر وجد حلة تباع فاشتراها للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يلبسها في الوفد وفي العيدين) يعني: يتجمل للوفود ويتجمل في العيدين، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، إنما أنكر عليه لأنه اشترى حريراً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمر: (إنما هذه لباس من لا خلاق له) يعني: التزين هذا لا بأس به، أما أن تأتيني بحرير ألبسه فهذا لباس من لا نصيب له في الآخرة.
وأفضل ألوان الثياب التي تلبس للتجمل وللمسجد وللعيد وللجمعة البياض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم).
فإذا كان الثوب الأبيض غير نظيف، فيلبس أي ثوب، المهم أن يكون نظيفاً وحسناً ومشروعاً للصلاة.
أما النساء: فإذا أردن الحضور فيتنظفن بالماء ولا يتطيبن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) إذاً: فتخرج للمسجد وللصلاة، (ولكن ليخرجن وهن تفلات) يعني: غير متطيبات، والإنسان التفل: الذي لم يضع طيباً، ولم يستعد بطيب أو بتجمل للخروج.
وذكرنا أن المشروع للمسلم أن يبكر لصلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثهم على ذلك فكانوا يخرجون لصلاة العيد.
ويقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة).
إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم إمامهم أول ما يخرج للصلاة في الحال عليه الصلاة والسلام: (فيقوم مقابل الناس وهم جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف صلوات الله وسلامه عليه).
ومن السنة: أنك إذا ذهبت للمسجد من طريق أن ترجع من طريق آخر، هذا إذا تيسر لك في طريقك إلى بيتك، أما إذا كان بيتك قريباً من صلاة العيد فلا شيء عليك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج لصلاة العيد من طريق ويرجع من طريق، ليسلم على أكبر عدد من المسلمين في طريقه عليه الصلاة والسلام، لذلك السنة: التسليم، فيسلم المسلمون بعضهم على بعض ويدعو بعضهم لبعض.
فإن قيل: هل من سنة العيد أن يقبل بعضنا بعضاً بعد صلاة؟
الجواب
الراجح: لا، ولم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما الالتزام والتقبيل هذا كانوا يفعلونه في القدوم من السفر، فإذا قدم إنسان من سفر، كان يفعل ذلك، فيعتنق النبي صلى الله عليه وسلم ويعتنقه، كما فعل بـ جعفر بن أبي طالب أو بـ أسامة أو بـ زيد بن حارثة، لكن إذا كان يلقى بعضنا بعضاً كل يوم فليس التقبيل أو العناق من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإنما التسليم باليد فقط والدعاء.
وفي الحديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) يعني: ذهب من طريق ورجع من آخر، وكأنه للتكثير من التسليم على المسلمين، والدعاء لهم، وشهادة الأرض له، وحين يكون ذاهباً يكبر، وحين يرجع أيضاً يكبر.
وصلاة العيد لا أذان فيها ولا إقامة ولا نداء بالصلاة جامعة، فكل هذا لم يرد، وإنما عند مجرد حضور الإمام يقوم الناس ويصلون معه؛ لقول جابر: (لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى) لم يكن هناك أذان على ذلك، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد حضوره يصلي بالناس صلوات الله وسلامه عليه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.