[شرح حديث معاذ في أحوال تشريع الصيام]
روى أبو داود وأحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال)، والمقصد من الحديث هنا أحوال الصيام.
فالصلاة فرضها الله سبحانه وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم فكان في مكة يصلي صلوات الله وسلامه عليه أول النهار وآخر النهار، فيصلي ركعتين في أول النهار، وركعتين في آخر النهار، إلى أن عرج به إلى السماء وفرضت الصلوات الخمس المعروفة، فجاء جبريل وعلم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فصلى وقتاً ثم هاجر إلى المدينة، وهم في المدينة أرادوا أن يجتمعوا على الصلاة، فتناقشوا فيما بينهم كيف نصلي الصلوات الخمس؟ وكيف ننادي إلى هذه الصلاة؟ فشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فكل منهم أدلى برأيه، فمنهم من قال: نوقد ناراً -عند وقت الصلاة فيراها الناس فيأتون للصلاة، ومنهم من قال: نصنع ناقوساً مثل ناقوس النصارى فإذا جاء وقت الصلاة ضربنا الناقوس فاجتمع الناس للصلاة، فلما كادوا يصنعون ذلك، رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه رؤيا فيها الأذان، فجاء وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ورأى مثلها أيضاً عمر رضي الله عنه فسبقه عبد الله بن زيد بن عبد ربه فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالأذان، فكان ينادى على الناس بالصلاة فيصلون.
وأحوال الصيام، قال معاذ بن جبل: (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فصام سبعة عشر شهراً من ربيع الأول إلى رمضان من كل شهر ثلاثة أيام)، فلما هاجر ولم يفرض الصوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم، وكان قبل ذلك يصوم بعض الأيام وهو في مكة عليه الصلاة والسلام، فكان يصوم عاشوراء في مكة، ولما قدم المدينة وجدهم يصومون عاشوراء فصام معهم صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان يصوم قبل ذلك، كما سيأتي في صوم عاشوراء.
فقال هنا: (وصام يوم عاشوراء) وكان فرضاً عليهم في العام الثاني من الهجرة، ولذلك سيأتي في صوم عاشوراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح وقال لهم: (من أصبح صائماً فليتم صومه، ومن لم يصبح صائماً فليصم)، فكان في العام الثاني الذي فرض فيه صيام رمضان ثم نسخ عاشوراء بصيام رمضان.
فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:١٨٣] إلى قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:١٨٤]، قال: فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكيناً فأجزأ ذلك عنه، وهذه حالة من أحوال الصيام.
فصاموا عاشورا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام تطوعاً، ثم فرض عاشورا لسنة واحدة فقط، ونسخ بعد ذلك، ثم فرض صيام رمضان، فإما تصوم من العشاء إلى غروب شمس اليوم الثاني، أو لك الخيار أن تطعم مسكيناً مكان كل يوم، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:١٨٤].
قال معاذ: (ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:١٨٥] إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:١٨٥]، فأثبت الله عز وجل صيامه على المقيم الصحيح).
فصام تسعة عشر شهراً من ربيع الأول إلى رمضان وهي الأشهر التي صامها النبي صلى الله عليه وسلم في كل شهر ثلاثة أيام وهذا ما جاء في رواية يزيد قال: (فصام تسعة عشر شهراً من ربيع الأول) والرواية الأولى: (صام سبعة عشر شهراً) صلوات الله وسلامه عليه.
وقد فرض الله صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة فصامه إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم في أول السنة الحادية عشرة، فصام صلى الله عليه وسلم رمضان لتسع سنين؛ لأنه فرض رمضان في شهر شعبان من السنة الثانية من هجرته صلى الله عليه وسلم، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من هجرته عليه الصلاة والسلام.