[فضلة صيام يوم عاشوراء]
صيام يوم عاشوراء يستحب صيامه مع صيام يوم تاسوعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء في مكة قبل الهجرة، فلما هاجر إلى المدينة صامه، ووجد اليهود يصومونه لأجل أن الله نجى فيه موسى، فقال: (نحن أولى بموسى منكم)، فصوم النبي صلى الله عليه وسلم له في المدينة لم يكن لأول مرة وإنما كان يصومه من قبل، وكانت قريش تصوم هذا اليوم أيضاً، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة صامه أيضاً، وهذا فيه نوع من التأليف لليهود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أولى بموسى منهم)، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بصوم يوم عاشوراء في العام الثاني من الهجرة، ويوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم، وفي هذا العام فرض فيه صيام رمضان، وفي يوم عاشوراء أصبح النبي صلى الله عليه وسلم صائماً، وأمر الناس بصيامه على أنه فريضة، فأمر من لم يكن قد طعم طعاماً أن يصوم، ومن طعم أيضاً أن يمسك، ثم نسخ بعد ذلك بشهر رمضان وثبت إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح مسلم: (وسئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: يكفر السنة الماضية)، فصوم عاشوراء يكفر سنة كاملة، والله عظيم وكريم سبحانه وتعالى، فقد جعل المكفرات كثيرة، ولذلك من غلبت سيئاته حسناته فإنه يستحق دخول النار لأن الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها ويعفو سبحانه وتعالى، والله جعل مكفرات للسيئات منها الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة، والحج يكفر ذنوب العمر كله، وجعل الله أياماً تكفر السيئات مثل: صوم يوم عرفة، فإنه يكفر ذنوب سنتين، وصوم يوم عاشوراء، فإنه يكفر ذنوب سنة، وهذا بالإجماع عند العلماء، وهو من فضل الله عز وجل، فإذا كان العبد يستكبر على ربه أن يعبده -وربنا بهذه الرحمة العظيمة الواسعة يكفر عنه ذنوبه- ثم تغلب سيئاته حسناته فإنه يستحق النار، فلا يهلك على الله إلا هالك، فالذي يهلك يوم القيامة ويدخل النار فإنه يستحقها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)، فهذا الكلام في آخر سنة من حياته صلوات الله وسلامه عليه، فإنه شهد حجة الوداع في ذي الحجة ثم بقي محرم وصفر وربيع وهو الشهر الذي مات فيه، أي أنه بقي من عمره أربعة أشهر بعد حجة الوداع، ثم توفي عليه الصلاة والسلام.
وصام آخر محرم وقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن تاسوعاء)، أي: يصوم تسعة وعشرة من محرم مخالفة لليهود الذين كانوا يصومون يوم عاشوراء، فأراد أن يخالفهم بأنه يصوم تاسوعاء وعاشوراء، وتاسوعاء فيه فضيلة الصيام، وفضيلة مخالفة اليهود، لكن ليس معنى ذلك أنه يكفر ذنوب السنة، إنما يكفرها يوم عاشوراء كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى، فمنها: ما رواه البخاري عن ابن عمر: (كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان قال النبي صلى الله عليه وسلم: من شاء صامه ومن شاء لم يصمه).
إذاً: كان أهل الجاهلية يصومونه والنبي صلى الله عليه وسلم في مكة كان يصومه كما قالت عائشة رضي الله عنه الله عنها كما في الصحيحين: (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية -والنبي صلى الله عليه وسلم من قريش- ثم قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه).
إذاً: صامه في مكة، فلما هاجر إلى المدينة صامه أيضاً، وفي رواية كما قالت عائشة: (كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تستر فيه الكعبة) إذاً كان أهل مكة يصومونه وكان عندهم يوم عيد ويوم عبادة، فكانوا يجملون فيه الكعبة ويسترونها فيضعون الكسوة عليها، فلما فرض الله رمضان كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليترك).
أيضاً جاء في الصحيحين عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك -وكأن المسلمين سألوا اليهود: لماذا تصومون يوم عاشوراء؟ - فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون)، فهو يوم النجاة لبني إسرائيل مع موسى عليه الصلاة والسلام وهم خارجين من مصر هاربين من فرعون أنجاهم الله عز وجل وأهلك فرعون في يوم عاشوراء.
فصامه النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً له، وقال: (نحن أولى بموسى منكم)، ثم أمر بصومه صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب، ثم أمر به على وجه الوجوب في العام الثاني، ثم نسخ الوجوب بقوله: (فمن شاء صامه ومن شاء تركه).
ولذلك جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه صام يوم عاشوراء وكذلك المسلمون، ثم أخبر كما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لما فرض رمضان: (من شاء صام) ففي هذا أنه كان واجباً في السنة الثانية ثم بعد ذلك رجع الأمر إلى ما كان عليه من الاستحباب في صومه.