عندما يتكلم العلماء على زكاة المال فإنهم يقولون: إن زكاة المال يجوز تعجيلها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استلف من العباس زكاة سنتين، فكأن فقراً شديداً ألم بالمسلمين فاحتاجوا للمال، فما وجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يبحث عمن عليه زكاة مال لم تجب بعد، فأخذ من العباس زكاة سنتين لا زكاة سنة واحدة، والسؤال هنا هل زكاة الفطر تلحق بزكاة المال؟ اختلف العلماء في ذلك، فذهب الإمام أبو حنيفة إلى قياس زكاة الفطر على زكاة المال، فقال: طالما أن زكاة المال يجوز إخراجها من أول الحول، فلتكن زكاة الفطر كذلك، وهذا القول وإن كان قياساً لشيء على مثيله فإنه قياس مع الفارق، فصحيح أن كليهما زكاة، لكن العلة في زكاة الفطر أن تغني الفقراء عن السؤال في يوم العيد، فهي طعمة للمساكين في هذا اليوم كما جاء في الحديث:(طهراً من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين)، فكيف تؤدى قبل العيد أو قبل رمضان، كما أنها إن تقدمت قد تتعرض للتلف.
وأما الإمام الشافعي رحمه الله فيقول: يجوز أن تخرج هذه الزكاة في رمضان كله، وما قيل في الرد على القول السابق يقال هنا أيضاً، فإذا أعطيت الزكاة في أول رمضان لمستحقها فقد يأكلها في أول رمضان، فإذا جاء يوم العيد لم يجد ما يغنيه، فنكون قد حرمناه من المال في يوم العيد، ولذلك فالراجح أن هذا لا يصلح أيضاً.
وللحنابلة قولان في ذلك: الأول: يجوز أن نخرج من بعد نصف رمضان، وسيقال فيه ما قيل في الأقوال السابقة.
والقول الثاني للحنابلة وهو قول الإمام مالك: أنها تخرج في ليلة العيد، أو عند الغدو إلى صلاة العيد، فاستحب الإمام مالك أنها تخرج عندما تغدو إلى صلاة العيد، وهذا ما اختاره ابن حزم أيضاً، وهو أن تخرجها وأنت خارج للصلاة، ولكن ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أخرجها قبل العيد بيوم أو بيومين، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها للذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، والحديث في صحيح البخاري وفيه أنه يجوز أن تخرج قبل العيد بيوم أو يومين، وابن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه هو من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه فرض صدقة الفطر على الذكر والأنثى، والحر، والمملوك، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير)، وعلى هذا فيجوز أن تخرج وتعطى لمستحقها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، وهذا أقصى ما يمكن أن يقال في تقديمها، وكلما تأخرت كان ذلك أفضل؛ لأجل أن ينتفع بها الفقير في العيد.
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)، وقد أخذ من ذلك ابن حزم وغيره أن وقت الوجوب هو عند صلاة العيد أو بعد الفجر، فمن طلع عليه الفجر فهذا وقت الوجوب، وبنوا عليه كل المسائل التي ذكرناها قبل ذلك، لكن الراجح هو ما جاء في حديث:(فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان)، وهذا أوجه؛ إذ يقال إذا أفطرت من رمضان فإفطارك بغروب شمس أخر يوم من رمضان.