إذا اعتكف المسلم فوقع في مبطل من مبطلات الاعتكاف: إما أن يتعمد ذلك، وإما أن يكره عليه، وإما أن يكون ناسياً، فإذا كان ناسياً فلا شيء عليه؛ لأن الله عز جل تجاوز لهذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، روى ابن ماجة عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)، وكذلك عن ابن عباس عند ابن ماجة مرفوعاً (إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)، فهذا من فضله سبحانه وتعالى: أن المؤمن إذا أكره على شيء أو نسي الشيء أو أراد الصواب فوقع في الخطأ فلا شيء عليه في ذلك، فالإنسان المعتكف إذا كان صائماً فأكل أو شرب نسياناً، أو أخطأ خطأً يعذر بمثله فلا شيء عليه، فكذلك في الاعتكاف لو أنه نسي فخرج من المعتكف فلا شيء عليه، ويرجع إلى المعتكف ويكمل الاعتكاف، وكذلك لو أكره على الخروج سواء حمل فأخرج، أو قبض عليه وأخرج ظلماً فلا شيء عليه، واعتكافه صحيح، فإذا رجع فليكمل اعتكافه الذي بدأ فيه.
وذكرنا أن الاعتكاف إما أن يكون اعتكافاً منذوراً وهذا قليل، وإما أن يكون اعتكافاً نافلة، فالإنسان الذي انقطع عليه اعتكاف النافلة يرجع ويبدأ من جديد، أو يكمل هذا الاعتكاف الذي بدأه؛ لأنه لا حرج عليه ولا إثم في ذلك.
وإذا خرج من اعتكاف النافلة متعمداً بطل التتابع، فلو رجع يكمل أياماً أخر، وهي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن فاتك التتابع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه.
وإذا كان اعتكافاً منذوراً فينظر في هذا الذي وأخرج من الاعتكاف، إما أنه أخرج بحق أو بباطل، فإذا أخرج بباطل ظلماً وعدواناً فلا شيء عليه، وليرجع وليكمل اعتكافه وهو معذور في ذلك، وإذا أخرج بحق كأن يكون إنساناً ظالماً وعليه ديون لأناس فاختفى في المسجد حتى لا يقبض عليه، ثم أمسك من الاعتكاف وأخرج منه، فهذا يبطل اعتكافه؛ لأنه أخذ أموال الناس فأخرج وهو ظالم، فيفرق بين هذا وذاك.
ولو خرج المعتكف لعذر من الأعذار كأن يخرج يشتري طعاماً للمعتكفين، أو خرجت مجموعة فطبخوا الطعام في مكان آخر، فلا شيء في ذلك، سواء نوى في أول الاعتكاف أو لم ينو؛ لأن هذه من احتياجات المسلم لأن يأكل ويشرب أو يغتسل، فهذه الأشياء لا ينقطع الاعتكاف بها.
ولو أن المعتكِف خرج من المعتكَف ثم ذهب إلى بيته فباشر أهله بالمس، كأن سلم على زوجته فقبلها فلا شيء في ذلك، لكن لو وقع في الجماع فهنا قال الله عز وجل:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[البقرة:١٨٧]، فلو أنه جامع أو أنه مس زوجته فنزل منه المني بطل اعتكافه، فإذا كان منذوراً متتابعاً انقطع التتابع، فيعيد من جديد، أو إذا كان الاعتكاف نافلة انقطع، فلينو وليدخل المعتكف من جديد بعد ذلك، ففرق بين النذر وبين النافلة.
والمرأة المعتكفة إذا حاضت أو كانت حاملاً فجاءها المخاض فإنها تخرج من المعتكف إلى بيتها، وهي إما أن يكون اعتكافها نافلة وإما أن يكون نذراً، فإذا كان نافلة بطل الاعتكاف بخروجها؛ لأنها في حالة النفاس أو الحيض، وإذا كانت نذرت الاعتكاف متتابعاً لم ينقطع حتى تنتهي أيام الدورة، ثم ترجع إلى المعتكف وتكمل ما بقي عليها من النذر، وإذا لم يكن نذراً فالأمر واسع.