[علامات ليلة القدر]
هنالك علامات لهذه الليلة، فقد جاء ذلك من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم, هذه العلامات لا تعرف قبلها ولكن تعرف بعدها, فمنها: أنها ليلة طلقة لا حارة ولا باردة, أي: أنها ليلة سهلة طيبة لا حارة شديدة الحرارة، ولا باردة عظيمة البرودة، ولكنها وسط بين الاثنين, والملائكة في تلك الليلة يكونون في الأرض مع العباد أكثر من عدد الحصى على الأرض, وتطلع الشمس صبيحة هذه الليلة بيضاء ليس لها كثير شعاع, أي: في وقت الشروق، فإنها تشرق قرصاً أبيضاً طالعاً أو قرصاً أحمراً طالعاً لا شعاع لها.
ففي صحيح مسلم عن زر بن حبيش قال سمعت أبي بن كعب رضي الله عنه وقيل له: (إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر -كأنه يحث الناس على قيام السنة كلها- فقالوا ذلك لـ أبي بن كعب رضي الله عنه, فقال: والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان فهو يحلف ولم يستثن، وابن مسعود شدد قليلاً من أنها في العام كله, ثم قال: ووالله إني لأعلم أي ليلة هي, هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها).
كأنه لم يسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هي ليلة سبع وعشرين) فهو أخذ بما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من قيام تلك الليلة إلى طلوع الفجر، فكانت ليلة سبع وعشرين, فظن أبي بن كعب أنها الليلة هذه فقط.
والراجح في ذلك أنها ليلة متنقلة في العشر الأواخر من شهر رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن لأربع وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان) ففي ليلة أربع وعشرين أنزل القرآن إلى السماء الدنيا، والكتب السماوية كصحف إبراهيم نزلت في أول رمضان، وتوراة موسى في ستة من رمضان, وإنجيل عيسى في ثلاثة عشر من رمضان, والقرآن العظيم نزل في أربع وعشرين من رمضان, وقول النبي صلى الله عليه وسلم أنها في ليلة أربع وعشرين، وفي ليلة سبع وعشرين فقط.
والراجح في ذلك أنها تتنقل في هذه الليالي الأخيرة من شهر رمضان, أما حديث أبي فواضح من كلامه أنه ليس نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو ما فهمه من النبي صلى الله عليه وسلم لما حثهم على أن يقوموا هذه الليلة فقاموها كلهم، وفي الصبح عرفوا أنها كانت ليلة القدر، فكانت ليلة سبع وعشرين وهذا لا ينافي أن تكون غير هذه الليلة.
قال أبي بن كعب رضي الله عنه: هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها: أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها, ولعل البعض من الناس يقوم في صبيحة سبع عشرين ويرى الشمس وهي طالعة وهو ليس متعود أن يرى الشمس قبل ذلك في وقت الشروق، فإذا به يرى الشمس طالعة شعاعها خفيف أو أن لونها أحمر، فيقول: كانت الليلة ليلة القدر, فلا يعرف هذا إلا بمقارنة صبيحة كل ليلة, أي: صبيحة ليلة واحد وعشرين واثنين وعشرين إلى آخر الشهر، فإذا أصبحت والشمس بيضاء وشعاعها أخف ما يكون، فاعلم أن هذه الليلة كانت ليلة القدر, فلعلك ترى الشمس طالعة بيضاء وهي ومحجوبة وراء سحابة خاصة في فصل الشتاء، فتقول: ليلة البارحة هي ليلة القدر، وتترك القيام بعد ذلك.
فإذا فعلت ذلك فقد ضيعت على نفسك وفرطت في أمرك, وحتى لو عرفت أن ليلة القدر كانت هذه الليلة التي أنت فيها، هل يكفي أن تقومها وتترك قيام ما بعدها؟ لا، فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) فالمؤمن يتعلم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم, فلو أن الله أرانا ليلة القدر فقمنا فيها لكان ينبغي علينا أن نقوم بعد ذلك شاكرين الله على ما وفقنا له, لا أن نسهو ونترك ونغفل ونرجع إلى اللعب مرة أخرى.
ومن الأحاديث التي جاءت في ذلك، حديث ابن عباس رضي الله عنه وهو في الطيالسي قال: (ليلة القدر ليلة سمحة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء) وفي رواية لـ أبي داود: (تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع)، وفي حديث آخر قال: (إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين) أي: توقعوها ما بين ليلة سبع وعشرين أو ليلة تسع وعشرين من شهر رمضان.
والملائكة في تلك الليلة أكثر من عدد الحصى, والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن القرآن نزل ليلة أربع وعشرين, وكأنه لما خاف أن الناس يتحروا هذه الليلة فقط, قام النبي صلى الله عليه وسلم الليالي الأخرى وحثهم على الاجتهاد فقد تكون ليلة سبع وعشرين أو ليلة تسع وعشرين, وقد تكون آخر الشهر.