إذا كان الإنسان يصلي الليل مع الجماعة فإنه يراعي آداب المسجد، فلا يؤذي أحداً من المسلمين، ولا يرفع صوته في القراءة إذا كان يقرأ، ولكن ليستمع للإمام، فإذا ترك له الإمام فرصة للقراءة فليقرأ في سره بفاتحة الكتاب.
فإذا كان يصلي وحده: فإما أن يصلي وحده في المسجد، وإما أن يصلي وحده في البيت، فإذا كان يصلي وحده في المسجد ولا أحد في المسجد جاز له أن يرفع صوته، فإذا كان هناك أناس في المسجد فلا يزعج أحداً، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشوش بعض المصلين على البعض الآخر، وأن يؤذي بعضهم بعضاً في المسجد.
وإذا كان وحده في البيت فله أن يرفع من صوته او يخفضه.
وجاء في سنن أبي داود عن أبي قتادة:(أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بـ أبي بكر رضي الله عنه يصلي ويخفض صوته، ومر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بـ عمر يصلي ويرفع صوته، ومر بالثالث وهو بلال رضي الله عنه، فقد كان يقرأ ويرفع صوته فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة من هنا وسورة من هنا وسورة من هنا، أو آيات من هذه السورة وآيات من هذه السورة بحسب ما يقرأ، فالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني قال لـ أبي بكر: مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك، فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد أسمعتُ من ناجيتُ).
فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان مظلماً بالليل، فإذا كان فيه إضاءة خافته فلن يرى بعضهم بعضاً فيها إلا الشيء اليسير، فإذا أبو بكر في مكان مظلم في المسجد ويصلي ويخفض من صوته، فكأنما خشي النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن ينام وهو يصلي بهذه الصورة، فلذلك قال له:(ارفع من صوتك شيئاً)، فإذا كان الأمر كذلك وأنت على هذه الهيئة فارفع صوتك شيئاً.
وعمر بن الخطاب كان يرفع صوته، لكن كأنه رفعه زيادة على الحد المطلوب، فلو كان أحد بجواره فلعله يزعجه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم:(لماذا يرفع صوته؟ فكان جواب عمر رضي الله عنه: أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان) أي: أرفع صوتي من أجل أن أقيم النائم كي يصلي، وأطرد الشيطان، فقال له:(اخفض من صوتك شيئاً)، أي: ليس مطلوباً منك أن توقظ النائمين، ولكن من أراد أن يقوم للصلاة فليقم، ومن لا يريد أن يقوم فلا توقظه، لكن ارفع صوتك شيئاً من غير أن تزعج أحداً من الناس.
وقال لـ بلال:(رأيتك وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السور -يعني لم تقرأ سورة بأكملها، وإنما قرأت آية من سورة، ثم قرأت آية من سورة أخرى- فقال بلال رضي الله عنه: كلام طيب يجمع الله تعالى بعضه إلى بعض)، يعني: أنا انتقى منه، فالأشياء التي أعرف أقرأها أستحلي قراءتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(كلكم قد أصاب) يعني: فيما صنعتم، ولكن افعلوا هذا الذي دللتكم عليه.