[شرح حديث: (من قرأ بمائة آية في ليلة)]
روى الإمام أحمد عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة)، القنوت: حسن القيام وطوله، والقنوت: الخشوع في الصلاة، والقنوت له صفات عظيمة جداً، فكلمة (قنت لله سبحانه) أي: خشع لله وأخبت وذل بين يدي الله سبحانه، وقام لله سبحانه، وصمت وأنصت لكلام الله سبحانه وتعالى، فيكتب لك قنوت ليلة إذا صليت هذه الليلة وقرأت قدر مائة آية، والمئون من القرآن كسورة الكهف فهي مائة آية وزيادة، وسورة الإسراء تزيد على المائة، وكذا سورة النحل ويونس وهود فإنها تتعدى المائة، فإذا قرأت هذه السور فلك هذا الأجر العظيم.
وتقرأ سورة الصافات وعددها مائة وثلاثة وثمانون آية، وسورة الشعراء وعددها مائتان وسبعة وعشرون آية، فهذه آيات كثيرة وإن كانت قصيرة الألفاظ، وإذا قارنا سورة البقرة مع سورة الشعراء فإن عدد آيات سورة البقرة مائتان وستة وثمانون آية، فهي طويلة وتأخذ وقتاً طويلاً، وعدد آيات سورة الشعراء مائتان وسبعة وعشرون آية، فإذا قرأت هذا في قيام الليل فإنه يكون لك أجر عظيم كأنك قمت الليل كله.
فهذا أجر الذي لم يقم الليل كله فكيف بمن يقوم بأكثر من ذلك؟ وكيف بمن يقوم الليل كله؟! فالأجر عظيم من الله، وهذه أيام المسابقة والمسارعة، فسابقوا وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض، فهذه الليالي الباقية من هذا الشهر -عشر ليال أو تسع ليال- احذر أن تفرط فيها، واحذر أن تقول: أنام الليلة وغداً سأقوم، وبعده سأقوم ليلة سبع وعشرين، فالقيام بين يدي الله عز وجل له حلاوة بالتعود، والذي يقوم مرة ثم يترك ويجد الكسل، هذا لأنه ليس متعوداً على القيام، ولذلك ينبغي -حتى تقدر على حسن العبادة ليلة القدر- أن تكون قد اعتدت على ذلك، فعود نفسك، وهنا النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن الذي يقرأ بمائة آية يكتب له قنوت ليلة.
وانظر إلى أبي بكر رضي الله عنه كيف كان يقرأ القرآن؛ فقد روى البخاري عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين)، أول من عرض عليهم الإسلام من الرجال هو أبو بكر رضي الله عنه، فكان أول من أسلم، وأم عائشة هي أم رومان وكانت من أول من أسلم، بخلاف أم أسماء أخت عائشة رضي الله عنها، فقد كانت كافرة، وجاءتها متأخرة جداً راغبة وراهبة، لكن أم عائشة أسلمت مع أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنها أو أسلمت بعد ذلك حين تزوجها رضي الله عنه.
والمقصود أنها قالت: (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشياً).
فقد كان يذهب رسول الله إلى أبي بكر الصديق، وهذا فيه فضيلة لـ أبي بكر الصديق أن يزوره النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم مرتين بالصبح والليل، أو في البكور والعشي أي: بعد الظهر.
قالت: ثم بدا لـ أبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، وأبو بكر الصديق من حبه للقرآن يريد مكاناً يعتكف فيه ليقرأ القرآن، فبنى وهو في مكة في فناء داره مسجداً، وقد كان له فناء -أي: كان له حوش كبير فيه عدد من البيوت- وكان يسكن معه أناس من المشركين في هذه الدار، فـ أبو بكر بنى مسجداً في فناء داره، وكان يجلس ويقرأ القرآن.
قالت عائشة رضي الله عنها: فكان يصلي فيه ويقرأ فيه، فيقف عليه نساء من المشركين وأبناؤهم فيعجبون منه وينظرون إليه، أي: لجمال قراءته بالقرآن، ولشدة خشوعه وبكائه وهو يقرأ القرآن.
قالت عائشة: وكان أبو بكر رجلاً بكاءً لا يملك عينيه، أي: إذا قرأ القرآن أو سمعه رضي الله عنه، قالت: فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، وحالهم: أبو بكر قد تتبعه نساؤنا وأبناؤنا ولا نعرف كيف نمنعهم، لأن خشوعه وصدقه في قراءة القرآن جلب هؤلاء ليسمعوا إليه، فشكوا أبا بكر رضي الله عنه في ذلك.