الَّذِي هُوَ عِلّة (الْمُنَاسبَة) لذَلِك الحكم، وَقد مر تَفْسِيرهَا (من الشَّارِع) أَي حَال كَونه صادرا مِنْهُ (للْقطع بِحِكْمَتِهِ) المستلزمة لرعاية الْمُنَاسبَة بَينهمَا، لِأَنَّهَا عبارَة عَن فعل الشَّيْء كَمَا يَنْبَغِي، عَن السُّبْكِيّ: أَن الْفُقَهَاء على أَنه لَا يجب على الله تَعَالَى رِعَايَة الْمصَالح، وَلَكِن لَا يَقع حكم إِلَّا بحكمة، والمتكلمون من أهل السّنة يَقُولُونَ: قد يَقع بحكمة، وَقد يَقع وَلَا حِكْمَة: قَالَ وَهُوَ الْحق انْتهى. وَاخْتَارَ المُصَنّف قَول الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْمقَام، لِأَنَّهُ الْأَوْجه وَعدم بُلُوغ فهم الْبشر إِلَى الْحِكْمَة لَا يسْتَلْزم عدمهَا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مُرَادهم من نفي الْحِكْمَة الَّتِي تفهمها الْعُقُول على أَنه لَو فرض ترك رِعَايَة الْحِكْمَة فِي بعض الْأَحْكَام كَانَ ذَلِك تَنْبِيها على أَنه لَا يجب عَلَيْهِ تَعَالَى رعايتها، وَلَك أَن تَقول: هَذَا أَيْضا حِكْمَة فَتدبر (دون غَيره) أَي لَا تجب الْمُنَاسبَة فِي الْوَصْف الَّذِي صدر من غير الشَّارِع لعدم الْقطع بِحِكْمَتِهِ (كأكرم الْجَاهِل) إِذا صدر من غير الشَّارِع (وَإِن قضى بحمقه) أَي بحمق قَائِله، وَكَانَ هَذَا بِاعْتِبَار الزَّمَان السَّابِق (وَمِنْه) أَي الْإِيمَاء قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يقْضى القَاضِي) بَين اثْنَيْنِ (وَهُوَ غَضْبَان) إِذْ فِيهِ تَنْبِيه على أَن الْغَضَب عِلّة عدم جَوَاز الحكم، لِأَنَّهُ يشوش الْفِكر وَيُوجب الِاضْطِرَاب ثمَّ إِن وجود الْإِيمَاء عِنْد ذكر الْوَصْف وَالْحكم مَعًا مُتَّفق عَلَيْهِ (فَإِن ذكر الْوَصْف فَقَط كأحل الله البيع) فَإِن الْوَصْف، وَهُوَ حل البيع مَذْكُور، وَالْحكم وَهُوَ الصِّحَّة غير مَذْكُور، بل مستنبط من الْحل لِأَنَّهُ لَو لم يَصح لم يكن مُفِيدا لغايته فَكَانَ قبيحا، والقبيح حرَام (أَو) ذكر (الحكم) فَقَط (كأكثر) الْعِلَل (المستنبطة) نَحْو قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " حرمت الْخمر ": الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو حنيفَة وَغَيره، فَإِن الحكم فِيهِ مَذْكُور وَهُوَ التَّحْرِيم، وَالْوَصْف وَهُوَ الشدَّة المطربة مستنبطة مِنْهُ (فَفِي كَونهَا) أَي كَون الْعلَّة (إِيمَاء) أَي مومى إِلَيْهِ عِنْد ذكر أَحدهمَا فَقَط (تقدم) على صِيغَة الْمَجْهُول صفة كاشفة لإيماء (على غَيرهَا) من المستنبطة بِلَا إِيمَاء، وَقَوله فَفِي كَونهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف بِقَرِينَة مَا بعده، أَعنِي ثَلَاثَة (مَذَاهِب) الأول (نعم) إِيمَاء بِنَاء (على أَن الْإِيمَاء اقتران) الْوَصْف بالحكم (مَعَ ذكرهمَا) أَي الْوَصْف وَالْحكم، وَفِي الْكَلَام مُسَامَحَة، لِأَن الْإِيمَاء لَيْسَ نفس الاقتران، بل مفاده (أَو) مَعَ ذكر (أَحدهمَا) وَتَقْدِير الآخر سَوَاء كَانَ الْمَذْكُور الْوَصْف أَو الحكم (و) الثَّانِي (لَا) يكون إِيمَاء (على أَنه) أَي الْإِيمَاء إِنَّمَا يكون (مَعَ ذكرهمَا) أَي الحكم وَالْوَصْف، وَإِذا لم يذكر فَلَا اقتران، والإيماء عِنْد الاقتران. (و) الثَّالِث (التَّفْصِيل فَمَعَ ذكر الْوَصْف) إِيمَاء (لَا) مَعَ ذكر (الحكم لِأَنَّهُ) أَي الْوَصْف هُوَ (المستلزم) للْحكم (فَذكره) أَي الْوَصْف (ذكره) أَي الحكم (فَيدل الحكم على الصِّحَّة) لما مر، فَإِن الْإِيمَاء بالاقتران، والاقتران ذكرهمَا مَعًا، وَذكر الْوَصْف مُسْتَلْزم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute