للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الحكم (كَانَ) التَّرْجِيح بِسَبَب هَذَا الِاتِّفَاق (من) قبيل (كَثْرَة الْأُصُول لَا) من كَثْرَة (الْأَدِلَّة) لِأَن الدَّلِيل فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الْعلَّة، وَلَا تعدد فِيهِ، لَا الأَصْل الَّذِي تتَحَقَّق الْعلَّة فِيهِ، فتعدده من غير تعددها لَا يُوجب تعدد الدَّلِيل (فيرجح) الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ ذَلِك (على مخالفه) لِأَن كَثْرَة الْأُصُول مُرَجّح صَحِيح (وَكَذَا كل مَا يصلح عِلّة) مُسْتَقلَّة للْحكم (لَا يصلح مرجحا) لعِلَّة مُسْتَقلَّة أُخْرَى لذَلِك الحكم على عِلّة مُعَارضَة لَهَا، إِذْ تقوى الشَّيْء إِنَّمَا يكون بِصفة فِي ذَاته تَابِعَة لَهُ، والمستقل لاستقالته لَا يضم إِلَى الآخر، وَقد يُقَال كَونه بِحَيْثُ وَافقه الآخر وصف لَهُ فَيجوز أَن يعْتَبر مرجحا لَهُ فَتَأمل (فَلم يتَفَاوَت بتفاوت الْملك للشفيعين) كَمَا إِذا كَانَ لأَحَدهمَا ثلث الدَّار وَللْآخر سدسها (مَا يشفعان فِيهِ) وَهُوَ النّصْف الآخر مِنْهَا فالموصول فَاعل لم يتَفَاوَت يَعْنِي إِذا بَاعَ مَالك النّصْف نصِيبه وطلبا أَخذه بِالشُّفْعَة لَيْسَ لصَاحب الثُّلُث مزية على صَاحب السُّدس فِي الِاسْتِحْقَاق، لِأَن كل جُزْء من أَجزَاء نصيبهما عِلّة مُسْتَقلَّة فِي اسْتِحْقَاق جَمِيع الْمَبِيع، وَلَيْسَ فِي جَانب صَاحب الثُّلُث إِلَّا كَثْرَة الْعلَّة وَهِي لَا تصلح للترجيح (خلافًا للشَّافِعِيّ) فَإِن عِنْده يكون الْمَبِيع بَينهمَا أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ لصَاحب الثُّلُث. (قَالَ) الشَّافِعِي (هِيَ) أَي الشُّفْعَة (من مرافق الْملك) أَي مَنَافِعه (كَالْوَلَدِ) للحيوان (وَالثَّمَرَة) للشجرة المشتركين بَينهمَا فتقسم بِقدر الْملك (أُجِيب بِأَن ذَلِك) انقسام الْمَعْلُول بِحَسب التَّفَاوُت إِنَّمَا هُوَ فِي أَجزَاء الْعلَّة (فِي الْعِلَل المادية) وَهِي الْأَجْسَام الَّتِي يتَوَلَّد مِنْهَا جسم كالحيوان وَالشَّجر (وَعلة الْقيَاس) أَي الْعلَّة الْمُعْتَبرَة فِي الْقيَاس لَيست مِنْهَا، بل هِيَ عِلّة (كالفاعلية) أَي كالعلة المؤثرة فِي الْعِلَل الْعَقْلِيَّة بِاعْتِبَار التَّأْثِير، وَإِن اخْتلفَا فِي كَيْفيَّة التَّأْثِير كَمَا عرفت، وَقد تقرر أَن تَأْثِير الْعلَّة الفاعلية لَيْسَ بطرِيق التولد، بل بإيجاد الله تَعَالَى إِيَّاه عقبه (وَقد جعل الشَّارِع الْملك عِلّة للشفعة قَلِيله وَكَثِيره) بِالنّصب بَدَلا من الْملك (فَجعل كل جُزْء من الْعلَّة) وَهِي ملك الشَّفِيع (عِلّة لجزء من الْمَعْلُول) وَهُوَ مَا يسْتَحقّهُ الشَّفِيع بِالشُّفْعَة حَتَّى يلْزم بِزِيَادَة الْأَجْزَاء فِي جَانب الْعلَّة زيادتها فِي جَانب الْمَعْلُول (نصب الشَّرْع بِالرَّأْيِ) من غير نَص أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس، لِأَنَّهُ لَيْسَ من ضَرُورَة جعل الْملك مُطلقًا عِلّة للاستحقاق. وَالْفرق بَين الْقَلِيل مِنْهُ وَالْكثير، بل الْإِطْلَاق يُنَاسِبه التَّسْوِيَة بَينهمَا، كَيفَ وَالْحكم فِيهِ دفع ضَرَر الْجوَار، وضرر صَاحب الْقَلِيل مثل ضَرَر صَاحب الْكثير، وَلَو نوقشي فِيهِ قُلْنَا: لَا يثبت الحكم بالتفرقة بِهَذَا الْقدر الْمَشْكُوك فِي اعْتِبَاره عِنْد الشَّارِع مَعَ كَون التَّسْوِيَة تناسب الْإِطْلَاق (وَلَو عجز) الْمُجْتَهد (عَن التَّرْجِيح) لأحد القياسين (عمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَة قلبه) على مَا مر بَيَانه فِي فصل التَّعَارُض (وَقَابَلُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (أَرْبَعَة الصِّحَّة) أَي الْوُجُوه الْأَرْبَعَة الصَّحِيحَة الْمَذْكُورَة للترجيح (بأَرْبعَة) من وجوهه (فَاسِدَة): أَحدهَا (التَّرْجِيح بِمَا يصلح عِلّة مُسْتَقلَّة)

<<  <  ج: ص:  >  >>