مَا ذكر قبلهَا من تَحْرِيم الْكفَّار الْمَذْكُورَات من عِنْد أنفسهم ابْتِدَاء من غير الحاق لَهَا بِمَا حرمه الله للاشتراك فِي منَاط التَّحْرِيم، فَإِن الْمحرم عِنْد نزُول الْآيَة إِذا انحصر فِيمَا ذكر فِيهَا وَلَا شَيْء مِنْهُ يصلح لِأَن يلْحق بِهِ مَا حرمه الْكفَّار، فَلَو حرم الرَّسُول مَا حرمُوهُ لزم إِثْبَات الْحُرْمَة ابْتِدَاء (وَبِه) أَي بِمَنْع إِثْبَاتهَا ابْتِدَاء (بقول كَمَا) قُلْنَا فِيمَا (لم يدْرك مناطه) لأَنا شرطنا فِي الْقيَاس كَون حكم الأَصْل مَعْقُول الْمَعْنى (قَالُوا) أَيْضا الْقيَاس (ظَنِّي) فَلَا يجوز إِثْبَات حق الشَّارِع وَهُوَ الحكم الشَّرْعِيّ لقدرته على الْبَيَان الْقطعِي بِخِلَاف حُقُوق الْعباد فَإِنَّهَا تثبت بِقَيْد الظَّن كَالشَّهَادَةِ لعجزهم عَن الْإِثْبَات بقطعي (لَا) أَنه (كَخَبَر الْوَاحِد) فَإِنَّهُ بَيَان من جِهَة الشَّرْع قَطْعِيّ، والشبهة إِنَّمَا عرضت فِي طَرِيق الِانْتِقَال إِلَيْنَا فَلَا يُفِيد الْقطع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا (وَجَوَابه مَا مر فِي مسئلة تَقْدِيمه) أَي خبر الْوَاحِد (عَلَيْهِ) أَي الْقيَاس: من أَن الِاحْتِجَاج بالْخبر الْحَاصِل الْآن وَهُوَ مظنون فَلَا ينفع كَونه يُفِيد الْقطع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِغَيْر وَاسِطَة، وَالْفرق الْمَذْكُور بَين الْحَقَّيْنِ سَاقِط، لِأَن التَّوَجُّه إِلَى جِهَة الْقبْلَة مَحْض حق الله تَعَالَى، وَقد أطلق لنا الْعَمَل فِيهِ بِالرَّأْيِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وسعنا مَا هُوَ أقوى من ذَلِك، وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي الْأَحْكَام (ثمَّ بعد جَوَازه) أَي تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (وَقع) التَّكْلِيف بِهِ (سمعا، قيل) ثَبت وُقُوعه (ظنا) وَهَذَا القَوْل (لأبي الْحُسَيْن، وَلذَا) أَي لوُقُوعه ظنا عِنْده (عدل) فِي إثْبَاته (إِلَى مَا تقدم) من الدَّلِيل الْعقلِيّ الْمُفِيد للْقطع بظنه لِأَنَّهُ أصل ديني لَا يَكْفِي فِيهِ الظَّن (وَقيل) وَقع (قطعا) وَهُوَ قَول الْأَكْثَر (لقَوْله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار}) فَإِن الِاعْتِبَار رد الشَّيْء إِلَى نَظِيره بِأَن يحكم عَلَيْهِ بِحكمِهِ، وَكَذَا سمى الأَصْل الَّذِي ترد إِلَيْهِ النَّظَائِر عِبْرَة، وَهَذَا يَشْمَل الاتعاظ، وَالْقِيَاس الْعقلِيّ، والشرعي، وَسِيَاق الْآيَة للاتعاظ، فتدل عَلَيْهِ عبارَة، وعَلى الْقيَاس إِشَارَة (وَكَونه) أَي وَكَون عُمُوم - اعتبروا (مَخْصُوصًا بمادة انْتَفَت) فِيهَا (شَرَائِطه) أَي الْقيَاس فَإِنَّهَا خَارِجَة عَنهُ (وَاحْتِمَال كَونه) أَي اعتبروا (للنَّدْب، وَكَونه للحاضرين) عِنْد نُزُولهَا فَقَط (و) احْتِمَال (إِرَادَة الْمرة) الْوَاحِدَة من الِاعْتِبَار وَإِرَادَة الْعَمَل بِهِ (وَفِي بعض الْأَحْوَال والأزمنة) وَغير ذَلِك مِمَّا يقتضى عدم إِرَادَة الْعُمُوم (لَا يَنْفِي الْقطع بِهِ) أَي بِوُقُوع التَّكْلِيف بِهِ، وَأما فِي الأول فنقطع بِمَا عدا مَا خص بِهِ (لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص الْمَذْكُور (تَخْصِيص بِالْعقلِ) والمخصص قَطْعِيّ فِي غير مَا خص بِهِ، وَأما فِي الْبَاقِي فَلَمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَلَيْسَ بِكُل تَجْوِيز عَقْلِي ينتفى الْقطع) فَلَا عِبْرَة بباقي الِاحْتِمَالَات وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الْقطع بِالشُّبْهَةِ الناشئة عَن الدَّلِيل كَمَا تقرر فِي مَحَله (وَإِلَّا انْتَفَى) الْقطع (عَن السمعيات) لِأَنَّهُ لم يسلم شَيْء مِنْهَا عَن تجويزها عقلا فَلَا يتَمَسَّك بِشَيْء مِنْهَا (وَأما ظُهُور كَونه) أَي الِاعْتِبَار (فِي الاتعاظ بِالنّظرِ إِلَى خُصُوص
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute