السَّبَب) لنزول الْآيَة الْمشَار إِلَيْهَا بقوله (ولبعد) أَن يُرَاد بقوله تَعَالَى - {فاعتبروا} - بعد قَوْله (يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم) وأيدي الْمُؤمنِينَ (فقيسوا الذّرة بِالْبرِّ) كَمَا هُوَ لَازم الِاسْتِدْلَال لعدم الْمُنَاسبَة، فَلَا يحمل كَلَامه تَعَالَى عَلَيْهِ، وَالْجَوَاب عَنهُ مَا أَفَادَهُ بقوله (فَالْعِبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ) لَا لخُصُوص السَّبَب، فَانْتفى الأول: وَهُوَ ظُهُور كَونه للاتعاظ (وَبِه) أَي بِأَن الْعبْرَة لعمومه (انْتَفَى الثَّانِي) أَيْضا (إِذْ الْمُرَتّب) على السَّبَب الْمَذْكُور الِاعْتِبَار (الْأَعَمّ مِنْهُ) أَي من قِيَاس الذّرة على الْبر (أَي فاعتبروا الشَّيْء بنظيره فِي مناطه) الظّرْف مُتَعَلق بنظيره لما فِيهِ من معنى الْفِعْل (فِي المثلات) أَي الْعُقُوبَات جمع مثلَة بِفَتْح الثَّاء وَضمّهَا مُتَعَلق بِالِاعْتِبَارِ (وَغَيرهَا وَهَذَا) الطَّرِيق فِي إِثْبَات التَّكْلِيف بِالْقِيَاسِ (أيسر من إثْبَاته) أَي التَّكْلِيف بِهِ (دلَالَة) كَمَا ذهب إِلَيْهِ صدر الشَّرِيعَة، لِأَن فهم الْأَمر بِالْقِيَاسِ من الْأَمر بِالِاعْتِبَارِ بطرِيق اللُّغَة من غير اجْتِهَاد لِئَلَّا يلْزم إِثْبَات الْقيَاس بِالْقِيَاسِ بعيد جدا، فَإِن من الْمَعْلُوم أَنه لَا يفهم كل من يعرف اللُّغَة ذَلِك كَمَا أَفَادَهُ بقوله (إِذْ لَا يفهم فهم اللُّغَة) نصب على المصدرية، فَإِن الْمَنْفِيّ إِنَّمَا هُوَ هَذَا النَّوْع من الْفَهم لَا مطلقه (الْأَمر بِالْقِيَاسِ) قَائِم مقَام فَاعل يفهم (فِي الْأَحْكَام) مُتَعَلق بِالْقِيَاسِ (من) الْأَمر ب (الاتعاظ). وَالشَّارِح تعقب المُصَنّف فِي هَذَا فَليرْجع إِلَيْهِ، وظني أَن مَا ذكره غير مُتَّجه (وَأَيْضًا قد تَوَاتر عَن كثير من الصَّحَابَة الْعَمَل بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ عِنْد عدم النَّص وَإِن كَانَت التفاصيل آحادا، فَإِن الْقدر الْمُشْتَرك متواتر (وَالْعَادَة قاضية فِي مثله) أَي فِي مثل الْعَمَل بِالْقِيَاسِ من كثير من الصَّحَابَة (بِأَنَّهُ) أَي الْعَمَل الْمَذْكُور إِنَّمَا يكون (عَن قَاطع فِيهِ) أَي الْعَمَل بِهِ وَإِن لم نعلمهُ على التَّعْيِين (وَأَيْضًا شاع مباحثتهم فِيهِ) أَي فِي الْعَمَل بِالْقِيَاسِ (وترجيحهم) بعض الْقيَاس على بعض (بِلَا نَكِير) لذَلِك (فَكَانَ) ذَلِك (إِجْمَاعًا مِنْهُم على حجيته لقَضَاء الْعَادة بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ إِجْمَاعًا قَطْعِيا (فِي مثله من أصُول الدّين لَا سكُوتًا) أَي لَا إِجْمَاعًا سكوتيا مُفِيدا للظن، فَإِن ترك الْإِنْكَار فِي أَمر مُنكر يَجْعَل أصلا من أصُول الدّين على تَقْدِير أَن يَتَقَرَّر فِيمَا بَين الصَّحَابَة بِمَا تحيل الْعَادة وُقُوعه من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ (وَحَدِيث معَاذ) الْمُفِيد حجية الْقيَاس، فِي التَّوْضِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن قَالَ لَهُ بِمَ تقضي؟ قَالَ لَهُ بِمَا فِي كتاب الله. قَالَ فَإِن لم تَجِد فِي كتاب الله؟ قَالَ أَقْْضِي بِمَا قضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ فَإِن لم تَجِد مَا قضى بِهِ رَسُول الله؟ قَالَ أجتهد: فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُوله بِمَا يرضى بِهِ رَسُوله. فَإِنَّهُ (يُفِيد طمأنينة) الطُّمَأْنِينَة فَوق الظَّن لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَه احْتِمَال النقيض، وَإِن كَانَ دون الْيَقِين لاحْتِمَال زَوَاله بالتشكيك (فَإِنَّهُ) أَي الحَدِيث الْمَذْكُور (مَشْهُور) على مَا روى (عَن الْحَنَفِيَّة) فَتثبت بِهِ الْأُصُول فَإِن قيل: الْمَذْكُور فِيهِ الِاجْتِهَاد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute