للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنه نطق بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فِي الْأَحْكَام، فَلَا بُد من إدراجه تَحت الْوَحْي لِئَلَّا يُنَاقض الْآيَة (وَلَا يَحْتَاجهُ الْحَنَفِيَّة) أَي لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى ارْتِكَاب خلاف الظَّاهِر كغيرهم على مَا عرفت (إِذْ هُوَ) أَي مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَحي بَاطِن) عِنْدهم فَإِن قلت حمل الْوَحْي الْمَذْكُور على مَا يعمه خلاف الظَّاهِر قلت مَعَ مُلَاحظَة مَا دلّ على كَونه خلاف الظَّاهِر. (قَالُوا) أَي المانعون ثَانِيًا (لَو جَازَ) اجْتِهَاده (جَازَت مُخَالفَته) لمجتهد آخر إِذا أدّى اجْتِهَاده إِلَى خلاف رَأْيه لاحْتِمَال الْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد (وَتقدم مَا يَدْفَعهُ) من أَن اجْتِهَاده وَحي بَاطِن لَيْسَ كاجتهاد غَيره، أَو أَن اجْتِهَاده نَاشِئ عَن الْأَمر بِهِ، وَأمره بِالِاجْتِهَادِ فِي حق النَّاس يسْتَلْزم أَمر النَّاس باتباعه فِيمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده. و (قَالُوا) ثَالِثا (لَو أَمر بِهِ) أَي بِالِاجْتِهَادِ (لم يُؤَخر جَوَابا) احْتَاجَ النَّاس إِلَيْهِ منتظرا للوحي بل كَانَ يجْتَهد فيجيب من غير انْتِظَار لَهُ (وَكَثِيرًا مَا أخر) أَي أخر تَأْخِيرا كثيرا، فَقَوله كثيرا مَنْصُوب على المصدرية، قدم على عَامله، وَكلمَة مَا مزيدة تفِيد مَا قبلهَا وثاقة وَقُوَّة فِيمَا قصد مِنْهُ (الْجَواب) أَنه (جَازَ) أَن يكون التَّأْخِير (لاشْتِرَاط الِانْتِظَار) أَي لكَون الِانْتِظَار للوحي فِي مُدَّة مَعْلُومَة عِنْده شرطا فِي اجْتِهَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كالحنفية) أَي اشتراطا كاشتراط الْحَنَفِيَّة على مَا سبق (أَو لاستدعائه) أَي الِاجْتِهَاد فِي تِلْكَ الْحَادِثَة (زَمَانا) لغموضه، فَالْجَوَاب الأول مَبْنِيّ على التَّأْخِير لانتظار الْوَحْي، وَهَذَا الْجَواب مَبْنِيّ على عدم تَسْلِيم كَون التَّأْخِير لانتظار الْوَحْي. (قَالُوا) رَابِعا: الِاجْتِهَاد لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن، و (لَا يجوز الظَّن مَعَ الْقُدْرَة على الْيَقِين) فَإِنَّهُ يقدر أَن يسْأَل ربه أَن ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي مَحل السُّؤَال، وسؤاله لَا يرد، فَكَانَ قَادِرًا على الْيَقِين الَّذِي هُوَ الْوَحْي (أُجِيب بِالْمَنْعِ) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا منع كَونه قَادِرًا على الْيَقِين لجَوَاز أَن لَا يكون مَأْذُونا فِي سُؤال إِنْزَال الْوَحْي، أَو لإِيجَاب على تَقْدِير السُّؤَال لحكمة تَقْتَضِيه، وَالثَّانِي منع استلزام الْقُدْرَة على الْيَقِين عدم جَوَاز الْعَمَل بِالظَّنِّ، كَيفَ والعمليات يَكْفِي فِيهَا الظَّن، وَالشَّيْخ أَرَادَ أَن يبْحَث عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فَقَالَ (فَإِن) كَانَ الْمَنْع (بِمَعْنى أَنه) أَي الْيَقِين بِالْوَحْي (غير مَقْدُور لَهُ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْفِعْلِ (فَصَحِيح) أَي فَهَذَا الْمَعْنى صَحِيح (لكنه) أَي عدم المقدورية لَهُ بِالْفِعْلِ (لَا يُوجب النَّفْي) أَي نفي الْقُدْرَة مُطلقًا لجَوَاز أَن يصير قَادِرًا بأقداره تَعَالَى، فالمنع حِينَئِذٍ لَا يجوز الِاجْتِهَاد بِلَا انْتِظَار كَمَا ذهب إِلَيْهِ غير الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهُ كَمَا يمْنَع عَن الِاجْتِهَاد الْقُدْرَة بِالْفِعْلِ كَذَلِك يمْنَع عَنهُ احْتِمَال صَيْرُورَته قَادِرًا بأقداره تَعَالَى، فَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا الْمَنْع من قبل الْحَنَفِيَّة، وَلَيْسَ معنى الْكَلَام لَا يُوجب النَّفْي لتعبده بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى يعْتَرض عَلَيْهِ بِنَفْي إِيجَابه إِيَّاه بل مُرَاده أَن يُوجب الْمَنْع جَوَاز التَّعَبُّد وَهُوَ ظَاهر (بل) بِاعْتِبَار دلَالَته على احْتِمَال حُصُول الْقُدْرَة لما عرفت يُوجب (أَن لَا يجْتَهد إِلَى الْيَأْس من

<<  <  ج: ص:  >  >>