جَائِز عقلا، وَلَعَلَّ المُصَنّف حقق من طَرِيق النَّقْل أَن كل من قَالَ بِالْجَوَازِ مِمَّن يعْتد بِكَلَامِهِ قَالَ بِالْوُجُوب: فَيرجع الْخلاف إِلَى الِامْتِنَاع وَالْوُجُوب، فَلَا بُد أَن يكون كل دَلِيل فِي هَذَا الْمقَام دَالا على أَحدهمَا (وَأما هَذَا) الدَّلِيل الْمَعْنَوِيّ وَإِن أَفَادَ مَحل النزاع (فقد اقْتَضَت) أَي فَيُقَال فِيهِ إِن الِاسْتِدْلَال بنيل الْأمة شَيْئا من الْفَضَائِل وَالثَّوَاب على نيله ذَلِك غير مُسلم لِأَنَّهُ قد اقْتَضَت (رتبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة سُقُوط مَا) يجب (على غَيره كَحُرْمَةِ الزِّيَادَة) من الزَّوْجَات (على الْأَرْبَع) فَهَذِهِ الْحُرْمَة حكم ثَابت فِي حق الْأمة سَاقِط فِي حَقه لجَوَاز الزِّيَادَة لَهُ (وَمرَّة) اقْتَضَت رتبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لُزُوم مَا لَيْسَ) بِلَازِم (عَلَيْهِم) كمصابرة الْعَدو، وَإِن كثر عَددهمْ، بِخِلَاف الْأمة فَإِنَّهَا لَا تلزمهم إِن زَاد عدد الْكفَّار على الضعْف، وإنكار الْمُنكر، وتغييره مُطلقًا لكَونه مَوْعُودًا بِالْحِفْظِ والعصمة، وَغَيره إِنَّمَا يلْزمه بِشَرْطِهِ، وكالسواك والتهجد إِلَى غير ذَلِك، فَلَا يُقَاس حَاله بِحَال غَيره، فَلَا بُد فِي إِثْبَات حكم فِي حَقه من وجود مُقْتَض يَخُصُّهُ (فالشأن فِي تَحْقِيق) وجود (خُصُوصِيَّة الْمُقْتَضى فِي حَقه فِي) خصوصيات (الْموَاد وَعَدَمه) أَي عدم خُصُوصِيَّة الْمُقْتَضى بِحَذْف الْمُضَاف، إِن وجدنَا مَا يقتضى إِثْبَات حكم فِي حَقه أَثْبَتْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا (وَغَايَة مَا يُمكن) أَن يُقَال فِيمَا نَحن فِيهِ (أَنَّهَا) أَي أَدِلَّة المثبتين (لدفع الْمَنْع) أَي تدفع منع الْجَوَاز، فَيثبت الْجَوَاز لعدم الِامْتِنَاع (فَيثبت الْوُجُوب، إِذْ لَا قَائِل بِالْجَوَازِ دونه) أَي الْوُجُوب، يَعْنِي لَو لم يجب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ على تَقْدِير الْجَوَاز لثبت جَوَاز بِلَا وجوب، وَهُوَ منفي بِإِجْمَاع الْمُجْتَهدين، لِأَن الْقَائِل بالامتناع نَفَاهُ، وَكَذَلِكَ الْقَائِل بِالْوُجُوب، وَلَا مُجْتَهد سوى الْفَرِيقَيْنِ. احْتج (الْمَانِع) لاجتهاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله تَعَالَى {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ} أَي الَّذِي ينْطق بِهِ من الشَّرَائِع {إِلَّا وَحي يُوحى} وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد لَيْسَ بِوَحْي (أُجِيب بتخصيصه) أَي بتخصيص الْمَنْفِيّ فِي الْآيَة (بِسَبَبِهِ) أَي بِمَا يدل عَلَيْهِ سَبَب نُزُولهَا، وَهُوَ رد مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْقُرْآن إِنَّه افتراء، فَيخْتَص بِمَا بلغه، وينتفي الْعُمُوم الَّذِي هُوَ منَاط الِاسْتِدْلَال، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لنفي دَعوَاهُم افتراءه) عطف بَيَان بِسَبَبِهِ، فَالْمُرَاد فِي قَوْله تَعَالَى إِن هُوَ الْقُرْآن (سلمنَا عُمُومه) أَي عُمُوم النَّفْي فِي قَوْله تَعَالَى - {ان هُوَ} - بِحَيْثُ يعم كل مَا ينْطق بِهِ (فَالْقَوْل) النَّاشِئ (عَن الِاجْتِهَاد لَيْسَ عَن الْهوى، بل) هُوَ نَاشِئ (عَن الْأَمر بِهِ) أَي بِالِاجْتِهَادِ، لِأَنَّهُ أمره بِالْعَمَلِ بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (وَهَذَا) أَي إِدْخَال مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي الْوَحْي الموحى بالتأويل الْمَذْكُور (وَإِن كَانَ خلاف الظَّاهِر، وَهُوَ) أَي الظَّاهِر (أَن مَا ينْطق بِهِ نفس مَا يُوحى إِلَيْهِ) لَا أَمر مندرج تَحت عُمُوم وَحي أثبت بِالدَّلِيلِ، لَكِن (يجب الْمصير إِلَيْهِ للدليل الْمَذْكُور) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي ": الحَدِيث وَنَحْوه مِمَّا يدل على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute