للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وسوقه) الْهدى (مُتَعَلق حكم الْمَنْدُوب) لِأَنَّهُ لم يفعل فِي أَدَاء الْمَنَاسِك تَقْرِيبًا إِلَّا الْوَاجِب أَو الْمَنْدُوب، وَقد علم عدم الْوُجُوب فَتعين النّدب (وَهُوَ) أَي النّدب (حكم شَرْعِي) فَثَبت اجْتِهَاده فِي الْأَحْكَام أَيْضا (وَلِأَنَّهُ) أَي الِاجْتِهَاد (منصب شرِيف) حَتَّى قيل أَنه أفضل دَرَجَات أهل الْعلم، فَإِذا (لَا يحرمه) أفضل أهل الْعلم (وتناله أمته) فَإِن حرمانه مَعَ عدم حرمَان الْأمة بعيد عَن دَائِرَة الِاعْتِبَار (ولأكثرية الثَّوَاب لأكثرية الْمَشَقَّة). وَلَا شكّ أَن تَحْصِيل الْعلم بالحكم الشَّرْعِيّ ثمَّ الْعَمَل بِهِ أَكثر مشقة من الْعَمَل بِدُونِ الِاجْتِهَاد فَيكون أَكثر ثَوابًا فَكَانَ لائقا بِشَأْنِهِ الشريف: وَهَذَا الَّذِي ذكر من أكثرية الثَّوَاب لأكثرية الْمَشَقَّة هُوَ مُقْتَضى الأَصْل وَالْقِيَاس. فَلَا يُنَافِيهِ مَا وَقع فِي بعض الخصوصيات من كَون ثَوَاب مَا لَيْسَ فِيهِ مشقة أَكثر من ثَوَاب مَا فِيهِ الْمَشَقَّة كالكلمتين الخفيفتين على اللِّسَان الثقيلتين فِي الْمِيزَان. (وَأما الْجَواب) عَن هَذَا الدَّلِيل كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الْحَاجِب وَقَررهُ القَاضِي (بِأَن السُّقُوط) أَي سُقُوط الِاجْتِهَاد فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لدرجة الْعليا) الْإِضَافَة بَيَانِيَّة، وَهِي الْوَحْي، فَإِن مُتَعَلّقه أَعلَى من مُتَعَلق الِاجْتِهَاد لكَونه مَقْطُوعًا بِهِ ابْتِدَاء (لَا يُوجب نقصا فِي قدره وأجره) أما فِي قدره فَظَاهر لِأَنَّهُ أُرِيد لَهُ الدرجَة الْعليا، وَأما فِي أجره فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعْطي أجرا عَظِيما مناسبا لتِلْك الدرجَة (وَلَا) يُوجب السُّقُوط الْمَذْكُور (اخْتِصَاص غَيره بفضيلة لَيست لَهُ) لكَون الِاجْتِهَاد نظرا إِلَى هَذَا الْمَعْنى فَضِيلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تنزل من الدرجَة الْعليا (فَقيل) جَوَاب أما (ذَلِك) أَي سُقُوط الْأَدْنَى للأعلى إِنَّمَا يكون (عِنْد الْمُنَافَاة) بَينهمَا (كَالشَّهَادَةِ مَعَ الْقَضَاء والتقليد مَعَ الِاجْتِهَاد) فَإِنَّهُ سُقُوط وجوب أَدَاء الشَّهَادَة على القَاضِي لوُجُوب مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ، وَهُوَ الْقَضَاء فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ، فَلذَلِك سقط وجوب التَّقْلِيد وَمن وجههما ظَاهر، وَمَا نَحن فِيهِ لَيْسَ كَذَلِك لجَوَاز أَن يجْتَهد ثمَّ يقرره الْوَحْي (وَالْحق أَن مَا سوى هَذَا) أَي مَا سوى الدَّلِيل الْمَعْنَوِيّ الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله منصب شرِيف إِلَى قَوْله لأكثرية الْمَشَقَّة (لَا يُفِيد مَحل النزاع، وَهُوَ) أَي مَحل النزاع (الْإِيجَاب) أَي إِيجَاب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ فِيمَا لَا نَص فِيهِ، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا يُفِيد، لِأَن الِاجْتِهَاد الْوَاقِع على وَجه الْفَرْضِيَّة أشرف، وثواب الْفَرْض أَكثر، وَأما الْأَدِلَّة النقلية فَلَا تفِيد إِلَّا وُقُوع الِاجْتِهَاد وَلَا يدل وُقُوعه فرضا كَمَا سيشير إِلَيْهِ، وناقش الشَّارِح فِي كَون مَحل النزاع الْوُجُوب فَقَط، وَنقل عَن الْمُعْتَمد مَا دلّ على النزاع فِي الْجَوَاز، وَعَن الْمَاوَرْدِيّ أَن الْأَصَح التَّفْصِيل فِي حق النَّاس الْوُجُوب لأَنهم لَا يصلونَ إِلَى حُقُوقهم بِدُونِهِ، وَفِي حُقُوق الله تَعَالَى عدم الْوُجُوب وَهَذَا يُؤَيّدهُ المُصَنّف. وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن فِي وجوب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ بعد جَوَازه لَهُ وَجْهَيْن، وَأَنه صحّح الْوُجُوب. وَعَن بَعضهم أَنه غير

<<  <  ج: ص:  >  >>