مَا ترى يَا بن الْخطاب؟ قَالَ قلت لَا يَا رَسُول الله مَا أرى الَّذِي رأى أَبُو بكر وَلَكِن أرى أَن تمكننا فَنَضْرِب أَعْنَاقهم، فَتمكن عليا من عقيل فَيضْرب عُنُقه، وتمكنني من فلَان نسيب لعمر فَأَضْرب عُنُقه، فَإِن هَؤُلَاءِ أَئِمَّة الْكفْر وَصَنَادِيدهَا، فهوى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ أَبُو بكر وَلم يَهو مَا قلت، فَلَمَّا كَانَ من الْغَد جِئْت فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر قاعدان يَبْكِيَانِ، قلت: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي من أَي شَيْء تبْكي أَنْت وَصَاحِبك؟ فَإِن وجدت بكاء بَكَيْت وَإِلَّا تَبَاكَيْت لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبْكِي للَّذي عرض على أَصْحَابك من أَخذهم الْفِدَاء لقد عرض عَليّ عَذَابهمْ أدنى من هَذِه الشَّجَرَة: شَجَرَة قريبَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأنزل الله عز وَجل - {مَا كَانَ لنَبِيّ} - إِلَى قَوْله - {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالا طيبا} -، فأحل الله الْغَنِيمَة لَهُم. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَو نزل الْعَذَاب مَا نجا إِلَّا عمر ": فَدلَّ على أَن أَخذه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفِدَاء كَانَ بِالِاجْتِهَادِ، وَكَانَ ذَلِك الِاجْتِهَاد خطأ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ صَوَابا لما ترَتّب عَلَيْهِ الْعَذَاب على تَقْدِير عدم سبق الْكتاب فَإِن قلت: كَيفَ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ وَقد تقرر أَن الْمُخطئ فِي الِاجْتِهَاد لَهُ أجر وَاحِد قلت: الْأجر على تَقْدِير أَن لَا يكون خلاف مَا أدّى إِلَيْهِ ظَاهرا، فَأَما إِذا كَانَ ظَاهرا فَلَا، بل يسْتَحق الْمُجْتَهد الْعَذَاب، أَلا ترى أَن المبتدعة قد كَانُوا مجتهدين، فَحَيْثُ كَانَ خلاف رَأْيهمْ ظَاهرا استحقوا الْعَذَاب، حَيْثُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " كلهم فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة " بعد قَوْله " سَتَفْتَرِقُ أمتِي ثَلَاثًا وَسبعين فرقة ". وَمِنْهُم من قَالَ معنى سبق الْكتاب أَنه كتب فِي اللَّوْح أَن لَا يعذب الْمُخطئ فِي الِاجْتِهَاد، وَيرد عَلَيْهِ تَعْذِيب المبتدعة. وَقد يُجَاب بتخصيص عدم الْعَذَاب بِمَا إِذا لم يكن فِي العقيدة فَإِن قلت: إِذا كَانَت الْحِكْمَة فِي عدم تَعْذِيب الْمُخطئ أَنه بذل وَسعه فِي طلب الصَّوَاب، فَلَا يفْتَرق الْحَال بِكَوْن الْمُجْتَهد فِيهِ عمليا أَو اعتقاديا قلت فِي الِاعْتِقَاد لم يكن الْمحل صَالحا للِاجْتِهَاد لوُجُود النُّصُوص المفيدة للْقطع. والشارع قد مَنعهم عَن الْخَوْض فِي ذَلِك (وَقد قُلْنَا بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ مَأْمُورا بِالِاجْتِهَادِ فِي الحروب (وَثَبت) اجْتِهَاده (فِي الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة (أَيْضا بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لما سقت الْهدى) أَي لَو علمت قبل سوق الْهدى مَا عَلمته بعده من أَمْرِي يُرِيد بِهِ مَا ظهر عِنْده من الْمَشَقَّة عَلَيْهِ وعَلى من تبعه فِي سوقه الملزم دوَام الْإِحْرَام إِلَى قَضَاء مَنَاسِك الْحَج لما سقته، بل كنت أَحرمت بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أحللت بعد أَدَائِهَا كَمَا هُوَ دأب الْمُتَمَتّع، فَعلم أَنه لم يسق بِالْوَحْي وَإِلَّا لم يقل ذَلِك وَأَيْضًا لَا يَتَرَتَّب الْجَزَاء عَنْهُم، أَعنِي سوق الْهدى على الشَّرْط، أَعنِي الْعلم بِمَا ذكر قبل السُّوق لَو لم يكن عَاملا بِالِاجْتِهَادِ، لِأَن الْقَائِل بِمُوجب الْوَحْي علمه بِالْمَصْلَحَةِ كَعَدم علمه بهَا