للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا حجَّة فِي حق الْأَحْكَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى الملهم وَغَيره، وَهَذَا فِي الْمِيزَان معزو إِلَى قوم من الصُّوفِيَّة، بل عزى إِلَى صنف من الرافضة لقبوا بالجعفرية أَنه لَا حجَّة سواهُ ثَانِيهَا حجَّة عَلَيْهِ لَا على غَيره: أَي يجب على الملهم الْعَمَل بِهِ، وَلَا يجوز أَن يَدْعُو إِلَيْهِ غَيره، وَعَزاهُ فِي الْمِيزَان إِلَى عَامَّة الْعلمَاء، وَمَشى عَلَيْهِ الإِمَام السهروردي، وَاعْتَمدهُ الإِمَام الرَّازِيّ فِي أَدِلَّة الْقبْلَة وَابْن الصّباغ من الشَّافِعِيَّة، قَالَ: وَمن علامته أَن ينشرح لَهُ الصَّدْر، وَلَا يُعَارضهُ معترض من خاطر آخر. (ثَالِثهَا) أَي ثَالِث الْأَقْوَال فِي إلهام غَيره وَهُوَ (الْمُخْتَار فِيهِ) أَي فِي إلهام غَيره أَنه (لَا حجَّة عَلَيْهِ) أَي على الملهم (وَلَا) على (غَيره لعدم مَا يُوجب نسبته) أَي نِسْبَة مَا ألهم بِهِ (إِلَيْهِ تَعَالَى) فَإِن قيل: الْمُوجب مَوْجُود، وَهُوَ الْعلم الضَّرُورِيّ بِأَنَّهُ من الله تَعَالَى قُلْنَا: لَيْسَ بمعصوم من أَن يكون مَا يحسبه من الله تَعَالَى بِالضَّرُورَةِ من الشَّيْطَان فِي نفس الْأَمر فَلَا يعْتَمد عَلَيْهِ إِلَّا إِذا قَامَ لَهُ حجَّة من الْكتاب أَو السّنة (وَالْأَكْثَر) أَي أَكثر أهل الْعلم على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَأْمُورا (بِالِاجْتِهَادِ مُطلقًا) فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والحروب والأمور الدِّينِيَّة من غير تَقْيِيد بِشَيْء مِنْهَا، أَو من غير تَقْيِيد بانتظار الْوَحْي، وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَعَامة أهل الحَدِيث، وَنقل عَن أبي يُوسُف: كَذَا نقل الشَّارِح عَن شرح البديع (وَقيل) الْقَائِل الأشاعرة وَأكْثر الْمُعْتَزلَة والمتكلمين (لَا) يَصح أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَأْمُورا بِالِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة. ثمَّ عَن الجبائي وَابْنه أَنه غير جَائِز عَلَيْهِ عقلا. وَعَن غَيرهمَا جَائِز عقلا وَلكنه لم يتعبد بِهِ شرعا، وَقيل كَانَ لَهُ الِاجْتِهَاد فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة والحروب دون الْأَحْكَام (وَقيل) كَانَ لَهُ الِاجْتِهَاد (فِي الحروب فَقَط) وَهُوَ محكي عَن القَاضِي والجبائي (لقَوْله تَعَالَى - {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} - عوتب على الْإِذْن لما ظهر نفاقهم فِي التَّخَلُّف عَن غَزْوَة تَبُوك، وَلَا عتب فِيمَا عَن الْوَحْي، فَكَانَ عَن اجْتِهَاد لِامْتِنَاع كَونه عَن تشه، وَدفعه السُّبْكِيّ بِأَنَّهُ كَانَ مُخَيّرا فِي الْأذن وَعَدَمه. قَالَ تَعَالَى - {فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم} - فَلَمَّا أذن أعلمهُ بِمَا لم يطلع عَلَيْهِ من شرهم أَنه لَو لم يَأْذَن لَهُم لقعدوا، وَأَنه لَا حرج عَلَيْهِ فِيمَا فعل وَلَا خطأ. قَالَ الْقشيرِي: وَمن قَالَ: الْعَفو لَا يكون إِلَّا عَن ذَنْب فَهُوَ غير عَار بِكَلَام الْعَرَب، وَإِنَّمَا معنى - {عَفا الله عَنْك} - لم يلزمك ذَنْب كَمَا عَفا فِي صَدَقَة الْخَيل وَلم يجب عَلَيْهِم ذَلِك قطّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَنه عتاب على ترك الأولى (و) لقَوْله تَعَالَى {لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم} - فَإِنَّهَا نزلت فِي فدَاء أُسَارَى بدر، فَإِنَّهُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر وَعمر مَا ترَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ فَقَالَ أَبُو بكر: هم بَنو الْعم وَالْعشيرَة أرى أَن تَأْخُذ مِنْهُم فديَة فَتكون لنا قُوَّة على الْكفَّار فَعَسَى الله أَن يهْدِيهم لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

<<  <  ج: ص:  >  >>