والطبري بِلَفْظ " لما نجا مِنْهُ غير عمر بن الْخطاب وَسعد بن معَاذ " وَتَأْويل الْآيَتَيْنِ إِلَى خلاف مَا يدل عَلَيْهِ الظَّاهِر على وَجه يخل بِكَمَال بلاغة الْقُرْآن من غير ضَرُورَة ملجئة إِلَيْهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يقدم عَلَيْهِ أهل الْعلم مُبَالغَة فِي علو شَأْن الْأَنْبِيَاء لِأَن هَذَا لَا يخل بعلو شَأْنهمْ كَمَا عرفت. قَالَ صدر الشَّرِيعَة فِي قَوْله تَعَالَى - {لَوْلَا كتاب} - الْآيَة: أَي لَوْلَا حكم سبق فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَهُوَ أَنه لَا يُعَاقب أحد بالْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد وَكَانَ هَذَا خطأ فِي الِاجْتِهَاد لأَنهم نظرُوا إِلَى أَن استبقاءهم سَبَب لإسلامهم، وفداءهم يتقوى بِهِ على الْجِهَاد، وخفى عَلَيْهِم أَن قَتلهمْ أعز لِلْإِسْلَامِ وأهيب لمن وَرَاءَهُمْ وَأَقل لشوكتهم، ورد هَذَا القَاضِي أَبُو زيد بِأَنَّهُ لَو كَانَ خطأ لما أقرّ عَلَيْهِ، وَقد أقرّ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: - {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالا طيبا} - وَتَأْويل العتاب مَا كَانَ لمن قبلك أَن تكون لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فَكَانَ لَك كَرَامَة خصصت بهَا رخصَة لَوْلَا كتاب من الله سبق بِهَذِهِ الخصوصية لمسكم الْعَذَاب بِحكم الْعَزِيمَة على مَا قَالَ عمر انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن التَّقْرِير لم يَقع حَيْثُ نبه بِكَوْنِهِ خطأ: بل دلّت الْآيَة على أَن حكم الله تَعَالَى فِي نفس الْأَمر كَانَ خلاف مَا أدّى إِلَيْهِ ذَلِك الِاجْتِهَاد غير أَنه عَفا عَنْهُم، وَنسخ ذَلِك الحكم، فالحل بعد النّسخ لَا قبله وَتَأْويل العتاب على الْوَجْه الْمَذْكُور غير مرضِي لِأَنَّهُ إِذا رخص لَهُ فِي الْفِدَاء كَرَامَة لَا يبْقى للعتاب سَبَب فَإِن قلت يجوز أَن يكون سَببه ترك الأولى، وَهُوَ الْعَمَل بالعزيمة دون الرُّخْصَة قلت مثل هَذَا الْوَعيد لَا يلائم ترك الأولى وَالْعَمَل بِالرُّخْصَةِ الَّتِي هِيَ كَرَامَة لَهُ فَإِن قلت الْوَعيد مُرَتّب على الْمَفْرُوض قلت نعم لكنه يدل أَنه على ذَلِك التَّقْدِير كَانُوا يسْتَحقُّونَ الْعَذَاب الْعَظِيم، وَكَيف يستحقونه على ذَلِك التَّقْدِير إِن كَانَ لَهُم أَن يَأْخُذُوا الْفِدَاء رخصَة (وَبِه) أَي بالوقوع (يدْفع دفع الدَّلِيل الْقَائِل) إِسْنَاد مجازي من قبيل إِسْنَاد القَوْل إِلَى سَببه، وَلِأَن الدَّلِيل فِي الْحَقِيقَة أَمر معنوي، وَهُوَ مَا يسْتَلْزم الْعلم بِهِ الْعلم بِشَيْء، وَذَلِكَ سَبَب لِلْقَوْلِ الْمَذْكُور (لَو جَازَ) امْتنَاع الْخَطَأ عَلَيْهِ (لَكَانَ) ذَلِك الِامْتِنَاع (لمَانع) عَن الْخَطَأ لِأَنَّهُ مُمكن ذَلِك لذاته وطبع الْبشر يَقْتَضِيهِ عَادَة (وَالْأَصْل عَدمه) أَي عدم الْمَانِع (بِأَن الْمَانِع) صلَة لدفع الدَّلِيل الْمَذْكُور بِتَعْيِين الْمَانِع عَن الْخَطَأ، وَهُوَ (علو رتبته وَكَمَال عقله وَقُوَّة حدسه) وَهُوَ حُصُول الْمُقدمَات مرتبَة فِي الذِّهْن دفْعَة (وفهمه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذكر هَذَا الدّفع الْعَلامَة، وَمَعَ الْوُقُوع لَا يلْتَفت إِلَى أَمْثَال هَذِه التعليلات (وَأما الِاسْتِدْلَال) لجَوَاز الْخَطَأ عَلَيْهِ (بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(" وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ) فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضى لَهُ على نَحْو مَا أسمع فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار " مُتَّفق عَلَيْهِ (وَقَوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنا أحكم