أَي أدْرك مُدَّة التَّأَمُّل أَو لَا (إِن بلغه) السّمع (وبشرط بُلُوغه) أَي السّمع إِيَّاه مَعْطُوف على قَوْله بِشَرْط الْبلُوغ، يَعْنِي الْمُخطئ الْمَذْكُور كَافِر بِشَرْط الْبلُوغ وبشرط بُلُوغ السّمع من غير الْتِفَات إِلَى إِدْرَاك مُدَّة التَّأَمُّل (للأشعرية) أَي عِنْد الأشعرية، وَفِي الْقَامُوس إِن اللَّام تَأتي بِمَعْنى عِنْد (وقدمناه) أَي مثل هَذَا القَوْل نَاقِلا (عَن بُخَارى الْحَنَفِيَّة، وَهُوَ الْمُخْتَار) لِأَن مِلَّة الْإِسْلَام كَانَت فِي حد ذَاتهَا بِحَيْثُ إِذا تَأمل فِيهَا الْعقل - يكَاد زيتها يضيء وَلَو لم تمسسه نَار} - فَإِذا تأيدت بالبلوغين صَارَت أظهر من الشَّمْس، فَلم يبْق مجَال بعد ذَلِك لنفيها بِالِاجْتِهَادِ إِذْ الِاجْتِهَاد إِنَّمَا يكون فِيمَا فِيهِ بعض غموض، فالمعاند فِيهَا مكابر (وَإِن) كَانَ مَا أَخطَأ فِيهِ (غَيرهَا أَي غير مِلَّة الْإِسْلَام (كخلق الْقُرْآن) فَعلم أَن المُرَاد من مِلَّة الْإِسْلَام مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِيمَان من العقائد إِجْمَاعًا، وَالْمرَاد القَوْل بخلقه فَإِنَّهُ خطأ لكَونه من صِفَات الله عز وَجل وَصِفَاته قديمَة، وَالْقَدِيم لَيْسَ بمخلوق، إِذْ كل مَخْلُوق حَادث (وَإِرَادَة الشَّرّ) فَإِنَّهَا مِمَّا أَخطَأ فِيهَا الْمُعْتَزلَة حَيْثُ نفوها، وَهِي غير الْملَّة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (فمبتدع آثم) وَلَا يخفى عَلَيْك أَن ذكر الْإِثْم هَهُنَا فِي مَحَله لِأَن من الْبِدْعَة مَا لَيْسَ بإثم بل قد تكون وَاجِبَة كعلم النَّحْو أَو مُسْتَحبَّة كبناء الْمدَارِس، بِخِلَاف ذكره مَعَ الْكفْر كَمَا سبق فَإِنَّهُ ذكر هُنَاكَ إِشَارَة إِلَى كَونه مُشْتَركا بَين أَقسَام الْخَطَأ غير أَنه كَانَ الأولى تَقْدِيمه على الْكفْر لكَونه بِمَنْزِلَة الْجِنْس: لَكِن قدم الْكفْر للاهتمام بِشَأْنِهِ من حَيْثُ الِاحْتِرَاز عَنهُ (لَا كَافِر) لعدم كَون مَا ذكر من ضروريات الدّين كَمَا لَا يخفى (وَسَيَأْتِي فِيهِ) أَي فِي هَذَا النَّوْع (زِيَادَة) أَي زِيَادَة بَيَان، وَمَا عَن الشَّافِعِي فِي تَكْفِير الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن فجمهور أَصْحَابه تأولوه على كفران النِّعْمَة صرح بِهِ النَّوَوِيّ وَغَيره (وَأما) الْأَحْكَام (الْفِقْهِيَّة فمنكر الضَّرُورِيّ) مِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي يعرفهُ كل أحد حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان (كالأركان) أَي فَرضِيَّة الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج (وَحُرْمَة الزِّنَا وَالشرب) للخمر، وَقتل النَّفس الْمُحرمَة (وَالسَّرِقَة كَذَلِك) أَي كَافِر آثم لِأَن إِنْكَار مَا هُوَ من ضروريات مِلَّة الْإِسْلَام يسْتَلْزم إنكارها بِاجْتِهَاد بَاطِل (لانْتِفَاء شَرط الِاجْتِهَاد) وَهُوَ كَون الْمُجْتَهد فِيهِ نظريا بِأَن لَا يكون خِلَافه بديهيا (فَهُوَ) أَي إِنْكَار ذَلِك (إِنْكَار للمعلوم ابْتِدَاء) قبل النّظر. قَوْله ابْتِدَاء مُتَعَلق بالإنكار وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بالمعلوم، وَالْأول أوجه. وَأما قَوْله (عنادا) فَهُوَ يتَعَلَّق بالإنكار قطعا (و) مُنكر (غَيرهَا) أَي الضرورية (الْأَصْلِيَّة) بدل من غَيرهَا أَو صفة لَهُ لكَون التَّعْرِيف فِيهَا لفظيا فَلَا يضرّهُ كَون الْغَيْر نكرَة لعدم اكتسابه التَّعْرِيف لتوغله فِي الْإِبْهَام، وَالْمرَاد بهَا الْأَحْكَام الَّتِي يتَفَرَّع عَلَيْهَا مسَائِل فرعية (ككون الْإِجْمَاع حجَّة، وَالْخَبَر) أَي خبر الْوَاحِد حجَّة فَهُوَ مَعْطُوف على الْإِجْمَاع (وَالْقِيَاس) حجَّة (آثم) خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي مُنكر غَيرهَا. وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute