للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذِّمِّيّ مثلهَا إِن كَانَ ذِمِّيا وَلَا قيمتهَا إِن كَانَ مُسلما، وَبِه قَالَ أَحْمد لما فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حُرْمَة بيعهَا كالميتة، وَمَا يحرم بَيْعه لم يجب قِيمَته، وَلِأَنَّهَا لَيست بِمَال مُتَقَوّم: فَلَا تكون سَببا للضَّمَان، وَعقد الذِّمَّة خلف عَن الْإِسْلَام فَيثبت فِيهِ أَحْكَامه، وَعُمُوم خطاب التَّحْرِيم يتَنَاوَل الذِّمِّيّ، وَقد بلغه فِي دَار الْإِسْلَام (وضمنوه) أَي الْحَنَفِيَّة متلفها مثلهَا إِن كَانَ ذِمِّيا وَقيمتهَا إِن كَانَ مُسلما، وَبِه قَالَ مَالك (لَا للتعدي) يَعْنِي أَن فِي إِتْلَافه غير الْخمر وَنَحْوهَا عُدْوانًا وإعداما لمَال الْغَيْر، فالتضمين فِيهِ لمجموع الْأَمريْنِ، وَأما الْخمر وَنَحْوهَا فَلَيْسَ للتعدي لِأَنَّهُ إهانة لما أهانه الله تَعَالَى، فَلَا يُسمى عُدْوانًا وَلَا ظلما، وَإِنَّمَا هُوَ لإعدام مُتَقَوّم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذِّمِّيّ لما روى أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بلغه أَن عماله يَأْخُذُونَ الْجِزْيَة من الْخمر فَمَنعهُمْ عَن أَخذهَا وَقَالَ: ولوا أَرْبَابهَا بيعهَا ثمَّ خُذُوا الثّمن مِنْهُم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بل لبَقَاء التقوم فِي حَقهم) أهل الذِّمَّة، يَعْنِي أَن تقويمها فِي حق الْمُسلمين بعد تَحْرِيمهَا وَبَقِي فِي حَقهم (وَلِأَن الدّفع) أَي دفع التَّعَرُّض الْمَقْصُود من عقد الذِّمَّة (عَن النَّفس وَالْمَال) أَي نفس الذِّمِّيّ وَمَاله لَا يتَحَقَّق إِلَّا (بذلك) أَي التَّضْمِين (فَهُوَ) أَي التَّضْمِين (من ضَرُورَته) أَي الدّفع. (ثمَّ قَالَ أَبُو حنيفَة) فِي رد الشَّافِعِي حَيْثُ قَالَ: تتَنَاوَل الْأَحْكَام أهل الذِّمَّة، فَإِن الْكفْر لَا يصلح للتَّخْفِيف عَنْهُم (وَمنع تنَاول الْخطاب إيَّاهُم) أَي منع الله أَن يدخلهم تَحت خطابه (مكرا بهم واستدراجا لَهُم) مفعول لَهُ للْمَنْع، وَهُوَ الْأَخْذ على غرَّة لَا تَخْفِيفًا عَنْهُم، وَقد يتْرك الْخطاب لشخص عِنْد الْعلم بِأَنَّهُ لَا يَنْفَعهُ كالطبيب يتْرك مدواة الْمَرِيض، وَلَا يمنعهُ من التَّخْلِيط عِنْد يأسه من الْبُرْء، وَقَوله منع يحْتَمل أَن يكون على صِيغَة الْفِعْل الْمَجْهُول أَو الْمصدر، وَالْخَبَر مَحْذُوف (فِيمَا يحْتَمل التبدل) ظرف لمنع التَّنَاوُل، فَإِن الْخطاب فِيمَا لَا يحْتَملهُ تناولهم (خطاب لم يشْتَهر) بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُ ترك خطاب وَلم ينتشر بعد فِي دِيَارنَا كَمَا فِي قصَّة أهل قبَاء حَيْثُ تحولوا نَحْو الْكَعْبَة فِي الصَّلَاة عِنْد بُلُوغ خبر تَحْويل الْقبْلَة إيَّاهُم، فَإِنَّهُ لَا يتناولهم، وَإِلَّا لما بنوا مَا بَقِي من صلَاتهم على مَا صلوه إِلَى بَيت الْمُقَدّس بعد نزُول الْوَحْي قبل أَن يبلغهم الْخَبَر، فَكَمَا أَنه لَا يتناولنا فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة فِي الدَّلِيل الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَا يتناولهم مَا يَقْتَضِيهِ (فَلَو نكح مَجُوسِيّ بنته أَو أُخْته صَحَّ) النِّكَاح (فِي أَحْكَام الدُّنْيَا) يَعْنِي أَنه لَا يتَعَرَّض لَهُم فَإِنَّهُ مِمَّا يحْتَمل التبدل كَيفَ وَقد كَانَ فِي شرع آدم عَلَيْهِ السَّلَام نِكَاح الْأُخْت وَلَا يتناولهم هَذَا الْخطاب، وَأما فِيمَا بَينهم وَبَين الله تَعَالَى فَلَا يَصح، وَكَذَا إِذا ترافعا أَي الزَّوْجَانِ المجوسيان (فَلَا نفرق بَينهمَا إِلَّا إِن ترافعا إِلَيْنَا) لانقيادهما لحكم الْإِسْلَام حِينَئِذٍ فيتناولهم الْخطاب. قَالَ تَعَالَى - {فَإِن جاءوك فاحكم بَينهم} - (لَا) يفرق بَينهمَا إِن رفع (أَحدهمَا) صَاحبه إِلَيْنَا (خلافًا لَهما) أَي لأبي يُوسُف وَمُحَمّد (فِي) نِكَاح (الْمَحَارِم) فَإِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>