للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَقْلِيد الصَّحَابِيّ، بل تقرر جَوَاز تَقْلِيده وَلم يعرف أَن وَظِيفَة الْمُجيب هُنَا منع بطلَان منع التَّقْلِيد لَا إِثْبَات منع التَّقْلِيد، وَبَينهمَا بون بعيد. احْتج (المجوز) للتقليد مُطلقًا بقوله تَعَالَى {(فاسئلوا أهل الذّكر}: أَي الْعلم بِدَلِيل) قَوْله تَعَالَى {إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَلَيْسَ المُرَاد أَن لَا يعلم السَّائِل شَيْئا أصلا، بل مَا أحوجه إِلَى السُّؤَال من الْوَاقِعَة الَّتِي ابتلى بهَا، وَإِذا كَانَ منشأ السُّؤَال عدم علمه بذلك يجب أَن يُرَاد بِأَهْل الْعلم من هُوَ عَالم بِمَا هُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ من أهل الذّكر وَلَا يعلم ذَلِك لَا وَجه لسؤاله إِيَّاه (وَقيل: الِاجْتِهَاد لَا يعلم) مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ فِي الْعَمَل، فيتناوله خطاب الْأَمر بالسؤال لتحَقّق شَرطه الْمَذْكُور، غَايَة الْأَمر أَنه لم يتَعَيَّن فِي حَقه السُّؤَال، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ حُصُول الْعلم بِمَا وَجب الْعَمَل بِهِ، فَإِذا حصل الِاجْتِهَاد حصل الْمَقْصُود (أُجِيب) عَن الِاحْتِجَاج الْمَذْكُور (بِأَن الْخطاب) فِي قَوْله تَعَالَى - {فاسئلوا} - (للمقلدين، إِذْ الْمَعْنى ليسأل أهل الْعلم من لَيْسَ أَهله بِقَرِينَة مُقَابلَة من لَا يعلم بِمن هُوَ أهل) للْعلم (وَأهل الْعلم من لَهُ الملكة) أَي ملكة استنباط الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من أدلتها (لَا) يُفِيد مَعْنَاهُ (بِقَيْد حروج الْمُمكن) استنباطه بِتِلْكَ الملكة (عَنهُ) أَي عَن الْإِمْكَان وَالْقُوَّة (إِلَى الْفِعْل) والوجود فِي الْخَارِج، لِأَن أهل الشَّيْء من هُوَ متأهل لَهُ ومستعد لَهُ اسْتِعْدَادًا قَرِيبا، وَإِذا كَانَ أهل الْعلم صَاحب الملكة كَانَ مُقَابِله من لَيْسَ لَهُ الملكة، وَهُوَ الْمُقَلّد (قَالُوا) ثَانِيًا (الْمُعْتَبر) فِي الْأَحْكَام العملية (الظَّن) بِكَوْنِهَا حكم الله تَعَالَى، فَإِن الْمُجْتَهد بِاجْتِهَادِهِ لَا يقدر على غَيره (وَهُوَ) أَي الظَّن (حَاصِل بفتوى غَيره) كَمَا يحصل بفتوى نَفسه لتساويهما فِي أَن الِاجْتِهَاد قد أدّى إِلَيْهِمَا (أُجِيب بِأَن ظَنّه اجْتِهَاده) بِنصب الدَّال، إِمَّا بِنَزْع الْخَافِض، أَو على أَنه بدل من ظَنّه (أقوى) من ظَنّه بفتوى الْغَيْر لقِيَام الأمارة الدَّالَّة عَلَيْهِ عِنْده (فَيجب الرَّاجِح) تَقْرِيبًا للصَّوَاب بِحَسب الوسع (فَإِن قيل: ثَبت عَن أبي حنيفَة) فِي الْفُرُوع (فِي القَاضِي الْمُجْتَهد يقْضِي بِغَيْر رَأْيه ذَاكِرًا لَهُ) أَي لرأيه (نفذ) قَضَاؤُهُ (خلافًا لصاحبيه، فَيبْطل) بِهَذَا الثَّابِت عِنْد (نقل الِاتِّفَاق على الْمَنْع بعده) أَي على منع الْمُجْتَهد من التَّقْلِيد بعد الِاجْتِهَاد (إِذْ لَيْسَ التَّقْلِيد إِلَّا الْعَمَل أَو الْفَتْوَى بقول غَيره) وَالْقَضَاء بِرَأْي الْغَيْر يتَضَمَّن الْعَمَل وَالْفَتْوَى مَعَ زِيَادَة إِلْزَام على الْمقْضِي عَلَيْهِ (وَإِن ذكر) أَيْضا فِي الْفُرُوع (فِيهَا) أَي فِي هَذِه المسئلة (اخْتِلَاف الرِّوَايَة) عَن أبي حنيفَة فَعَنْهُ ينفذ، وَجعلهَا فِي الْخَانِية أظهر الرِّوَايَات، لِأَن رَأْيه يحْتَمل الْخَطَأ وَإِن كَانَ الظَّاهِر عِنْده أَنه الصَّوَاب، ورأي غَيره يحْتَمل الصَّوَاب، وَإِن كَانَ الظَّاهِر عِنْده خطأ فَهُوَ قَضَاء فِي مَحل مُجْتَهد فِيهِ فَينفذ، وَبِه أَخذ الصَّدْر الشَّهِيد وَغَيره. وَعنهُ لَا ينفذ، لِأَن قَضَاءَهُ بِهِ مَعَ اعْتِقَاده أَنه غير حق عَبث: كالمصلي إِلَى غير جِهَة تحريه تَقْلِيد التَّحَرِّي غَيره، وَبِه أَخذ شمس الْأَئِمَّة الأوزجندي

<<  <  ج: ص:  >  >>