وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، لِأَن الْمُتَبَادر من قَوْله بِلَا حجَّة نفي الْحجَّة الْمَخْصُوصَة بِمَا عمل بِهِ من القَوْل الْخَاص فَحِينَئِذٍ يدْخل الْعَمَل بقول الرَّسُول فِي التَّقْلِيد، لِأَن النَّاس كَانُوا يعْملُونَ بِهِ من غير أَن يعرفوا دَلِيله الْخَاص: وَلذَلِك يعْملُونَ بقول أهل الْإِجْمَاع، من غير أَن يعرفوا ذَلِك فالتقييد لإخراجهما، ثمَّ لما حمل الْحجَّة المنفية على الْخُصُومَة لما مر لزم دُخُول عمل الْعَاميّ بقول الْمُفْتِي فِي التَّقْيِيد على خلاف مَا مَشى عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب، وَهُوَ يلْتَزم ذَلِك كَمَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين فِي شرح الْمُخْتَصر. وَلَو سمي بعض ذَلِك تقليدا كَمَا سمي فِي الْعرف الْمُقَلّد الْعَاميّ وَقَول الْمُفْتِي تقليدا، فَلَا مشاححة فِي التَّسْمِيَة والاصطلاح، وسيشير إِلَيْهِ المُصَنّف وَبَقِي قَضِيَّة القَاضِي، فَنَقُول إِنَّه غير عَامل بقول الشَّاهِد، بل بقول الله: احكم أَيهَا القَاضِي عِنْد قَوْله وَالله الْمُوفق (فَلَيْسَ الرُّجُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم و) أهل (الْإِجْمَاع مِنْهُ) أَي من التَّقْلِيد (بل الْمُجْتَهد والعامي إِلَى مثله) أَي رُجُوع كل مِنْهُمَا إِلَى مثله من التَّقْلِيد (و) الْعَاميّ (إِلَى الْمُفْتِي) أَي رُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي أَيْضا من التَّقْلِيد (هَذَا) الَّذِي ذكره من معنى التَّقْلِيد بِحَيْثُ عَم رُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي (هُوَ الْمَعْرُوف من قلد عَامَّة مصر الشَّافِعِي وَنَحْوه) أَي هَذَا الَّذِي يعرف، وَيُسْتَفَاد من قَوْلهم: قلد عَامَّة مصر الشَّافِعِي وَنَحْوه كَقَوْلِهِم: قلد عَامَّة الرّوم أَبَا حنيفَة، وَالْمَشْهُور الْمَعْرُوف أولى بِالِاعْتِبَارِ، لِأَنَّهُ يتلَقَّى بِالْقبُولِ، بل يظْهر أَنه من عرف السّلف وَأَيْضًا على تَقْدِير اخْتِصَاصه بِرُجُوع الْمُجْتَهد أَو الْعَاميّ إِلَى مثله يلْزم أَن لَا يكون لَهُ فَرد مَشْرُوع أصلا وَهُوَ خلاف الظَّاهِر، لَكِن بَقِي شَيْء: وَهُوَ أَن الْمُقَلّد الَّذِي عِنْده طرف من الْعلم بِحَيْثُ يعرف تفاصيل الْأَدِلَّة كَيفَ يصدق عَلَيْهِ أَنه أَخذ بقول إِمَامه بِلَا حجَّة فَالْجَوَاب أَن معرفَة الدَّلِيل إِنَّمَا تكون للمجتهد لَا لغيره لتوقفها على سَلَامَته من الْمعَارض، وَهِي متوقفة على استقراء الْأَدِلَّة فَلَا يَتَيَسَّر إِلَّا للمجتهد، وَالْمرَاد تقربا لقَوْل مَا يعم الْفِعْل والتقرير تَغْلِيبًا (وَكَانَ الْوَجْه جعل الْمُعَرّف بِمَا ذكر) من التَّعْرِيف (التقلد لِأَنَّهُ) أَي الْمُقَلّد بِصِيغَة الْمَفْعُول (جعل قَوْله قلادة) فِي عتق من عمل بقوله، فالتابع متقلد وتبعيته تقلد (فتصحيحه) أَي تَصْحِيح وَجه التَّسْمِيَة (جعل عمله قلادة إِمَامه) لكَون الإِمَام ضَامِنا صِحَّته عِنْد الله تَعَالَى (والمفتى الْمُجْتَهد وَهُوَ) أَي الْمُجْتَهد (الْفَقِيه) اصْطِلَاحا أصوليا، وَقد سبق تَعْرِيف الْفِقْه، وَيشْتَرط فِي قبُول فتواه الْعَدَالَة حَتَّى يوثق بِهِ لَا فِي صِحَة اجْتِهَاده، وللمفتي رد الْفَتْوَى إِذا كَانَ فِي الْبَلَد غَيره أَهلا لَهَا خلافًا للحليمي، وَلَا يلْزمه جَوَاب مَا لم يَقع وَمَا لَا يحْتَملهُ السَّائِل وَلَا يَنْفَعهُ. قَالَ ابْن أبي ليلى: أدْركْت مائَة وَعشْرين من الْأَنْصَار من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل أحدهم عَن الْمَسْأَلَة فيردها هَذَا إِلَى هَذَا وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى ترجع إِلَى الأول، وَقد نهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الغلوطات بِفَتْح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute