الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَصْلهَا أغلوطات. قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: هِيَ شَدَّاد الْمسَائِل. وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " سَيكون أَقوام من أمتِي يغلطون فقهاءهم أُولَئِكَ شرار أمتِي " (والمستفتى من لَيْسَ إِيَّاه) أَي مفتيا (وَدخل) فِي المستفتى (الْمُجْتَهد فِي الْبَعْض) من الْمسَائِل الاجتهادية لاستكمال مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْبَعْض من الْكتاب وَالسّنة وَسَائِر الشُّرُوط فَهُوَ مستفتى (بِالنِّسْبَةِ إِلَى) الْمُجْتَهد (الْمُطلق) حَيْثُ قُلْنَا بتجزؤ الِاجْتِهَاد فَهُوَ مفت فِي بعض الْأَحْكَام مستفتي فِي الآخر (والمستفتى فِيهِ) الْأَحْكَام (الفرعية الظنية). قَالَ المُصَنّف (والعقلية) مِمَّا يتَعَلَّق بالاعتقاد (وَلذَا) أَي وَلكَون المستفتى فِيهِ قد يكون عقليا (صححنا إِيمَان الْمُقَلّد وَإِن أثمناه) فَلَو كَانَ إيمَانه غير صَحِيح مَعَ كَونه آثِما لما كَانَ يَتَرَتَّب على استفتائه ثَمَرَة أصلا، فصحة إيمَانه تدل على أَن الْإِيمَان وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بالاعتقاد مِمَّا يتَجَزَّأ فِيهِ الاستفتاء، غَايَة الْأَمر أَن المستفتى آثم إِذا اكْتفى بِمُجَرَّد التَّقْلِيد فِيهِ، وَلم يجْتَهد فِي تَحْصِيل الْعلم بِالدَّلِيلِ، وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَكثير من الْمُتَكَلِّمين وَقيل لَا يسْتَحق اسْم الْمُؤمن إِلَّا بعد عرفان الْأَدِلَّة، وَهُوَ مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ (فَمَا يحل الاستفتاء فِيهِ) الْأَحْكَام (الظنية لَا الْعَقْلِيَّة) الْمُتَعَلّقَة بالاعتقاد فَإِن الْمَطْلُوب فِيهَا الْعلم (على) الْمَذْهَب (الصَّحِيح) فَلَا يجوز التَّقْلِيد فِيهَا، بل يجب تَحْصِيلهَا بِالنّظرِ الصَّحِيح، وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين: وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب، بل حَكَاهُ الْأُسْتَاذ الاسفراينى عَن إِجْمَاع أهل الْعلم من الْحق وَغَيرهم من الطوائف، فقد عرفت أَن الْحق عدم الاستفتاء فِي الْعَقْلِيَّة (لَا قصر صِحَّته) أَي صِحَة المستفتى فِيهِ (على الظنية) بِأَن لَا يَصح المستفتى فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَ من الْأَحْكَام الظنية، بل يَصح إِذا كَانَ من الْعَقْلِيَّة أَيْضا صِحَة مقرونة مَعَ اسْم المستفتى الْعَامِل بِتِلْكَ الْفَتْوَى تقليدا (كوجوده تَعَالَى) مِثَال للعقلية: أَي كَالْحكمِ بِوُجُودِهِ تَعَالَى تقليدا لمن أفتى بِهِ، فَإِنَّهُ صَحِيح يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام الْإِيمَان، غير أَن المستفتى آثم بتقاعده عَن الِاسْتِدْلَال (وَقيل يجب) التَّقْلِيد فِي الْعَقْلِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالاعتقاد (وَيحرم النّظر) والبحث فِيهَا، وَالْقَائِل قوم من أهل الحَدِيث، وَنسبه الزَّرْكَشِيّ إِلَى الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلم يحفظ عَنْهُم، وَإِنَّمَا توهم من نهيهم عَن تعلم علم الْكَلَام، وَهُوَ مَحْمُول على من خيف أَن يزل فِيهِ لعدم استقامة طبعه (و) قَالَ (الْعَنْبَري) وَبَعض الشَّافِعِيَّة (يجوز) التَّقْلِيد فِيهَا وَلَا يجب النّظر (لنا الْإِجْمَاع) معقد (على وجوب الْعلم بِاللَّه تَعَالَى) وَصِفَاته على الْمُكَلف (وَلَا يحصل) الْعلم بِهِ (بالتقليد لَا مَكَان كذبه) أَي الْمُفْتِي الْمُقَلّد (إِذْ نَفْيه) أَي الْكَذِب عَنهُ (بِالضَّرُورَةِ مُنْتَفٍ) يَعْنِي عدم كذبه لَيْسَ ببديهي، إِذْ لَيْسَ بمعصوم عِنْد المستفتى فَلَا يحصل الْعلم بِخَبَرِهِ فَإِن قلت: فعلى هَذَا لَا يَصح إِيمَان الْمُقَلّد، لِأَن الْمُعْتَبر فِي الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ الْعلم وَلم يحصل قلت:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute