للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالنّصب عطفا على مَدْخُول أَن، وَالْعلَّة بِاعْتِبَارِهِ (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى مَضْمُون مقول القَوْل (بِمُجَرَّد تَصْدِيقه) أَي الْقَائِل تقليدا لَهُ (من غير انْتِقَال) أَي من غير أَن ينْتَقل ذهنه بِسَبَب هَذَا القَوْل المنبه إِلَى معنى كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن ينْتَقل إِلَيْهِ بِغَيْر مُنَبّه لما هُوَ مركوز فِي جبلته بِمُقْتَضى الْمِيثَاق الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى - {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم} - الْآيَة انتقالا (يُفِيد اللُّزُوم) بِاعْتِبَار مُتَعَلّقه، أَعنِي الْمُنْتَقل (بَين الْمُحدث) على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول (والموجد) على صِيغَة اسْم الْفَاعِل، وَإِنَّمَا خص السماع فِي هَذَا الْبَيَان بِمن لم ينْتَقل ذهنه إِلَى الموجد، لِأَن من انْتقل ذهنه إِلَيْهِ قبل هَذَا السماع يَسْتَحِيل أَن يصير مُقَلدًا للقائل الْمَذْكُور، لأَنا لَا نعني لنظر وَالِاسْتِدْلَال إِلَّا هَذَا الِانْتِقَال فَإِن قلت: يجوز أَن يكون انْتِقَاله بطرِيق البداهة قلت: مرْحَبًا بالوفاق فَإِنَّهُ أبعد عَن التَّقْلِيد (قَالُوا) ثَالِثا (وجوب النّظر) أَي الْعلم بِوُجُوبِهِ (دور) أَي مُسْتَلْزم لَهُ (لتوقفه) أَي الْعلم بِالْوُجُوب (على معرفَة الله) تَعَالَى، لِأَن الْوُجُوب عبارَة عَن كَون الْفِعْل مُتَعَلق خطاب الله تَعَالَى اقْتِضَاء، فَمَا لم يعرف الله لم يعرف كَون النّظر مَطْلُوبا لله تَعَالَى لَازِما عَلَيْهِ يَتَرَتَّب على تَركه الْعقَاب، فمعرفة وجوب النّظر مَوْقُوف على معرفَة الله تَعَالَى، وَقد تقرر أَن معرفَة الله تَعَالَى مَوْقُوفَة على النّظر، وَلَا يخفى مَا فِيهِ، فَإِن مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ معرفَة الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ ذَات النّظر لَا الْعلم بِوُجُوبِهِ فَلَا دور: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مُرَادهم أَن الْعلم بِوُجُوب النّظر، إِذْ جعل عِلّة لصدور النّظر يلْزم الدّور، لِأَنَّهُ يلْزم تقدم الْعلم بِالْوُجُوب على معرفَة الله تَعَالَى لِأَن عِلّة الْعلَّة للشَّيْء عِلّة لذَلِك الشَّيْء، فَثَبت توقف معرفَة الله تَعَالَى على الْعلم بِوُجُوب النّظر أَيْضا فَتَأمل (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي الْعلم بِوُجُوب النّظر مَوْقُوف (على مَعْرفَته) تَعَالَى (بِوَجْه) مَا (وَالْمَوْقُوف على النّظر) الْمَوْقُوف على الْعلم بِوُجُوبِهِ (مَا) أَي معرفَة (بأتم) أَي بِوَجْه أتم (أَي الاتصاف) تَفْسِير للْوَجْه الأتم (بِمَا) أَي بِصِفَات صلَة للاتصاف (يجب لَهُ كالصفات الثَّمَانِية): الْحَيَاة، وَالْقُدْرَة، وَالْعلم، والإرادة، والسمع، وَالْبَصَر، وَالْكَلَام، والتكوين (وَمَا يمْتَنع عَلَيْهِ) من النقيصة والزوال، لَا يخفى بعده فَالْوَجْه أَن يُقَال: لَيْسَ مُرَاد الْمُجيب بالمعرفة بِوَجْه التَّصَوُّر بِوَجْه، بل مَعْرفَته تَعَالَى من حَيْثُ أَنه مَوْجُود طَالب من عباده النّظر، ليحصل الْعلم بِهِ وبصفاته علما تفصيليا على الْوَجْه الْمَعْرُوف فِي علم الْكَلَام. قَالَ (المانعون) من النّظر، النّظر (مَظَنَّة الْوُقُوع فِي الشّبَه) أَي مَحل ظن الْوُقُوع فِي احتمالات مُوجبَة لشكوك وأوهام مخلة بالتصديق الإيماني: وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ قَوْله (والضلال) فَإِن الشّبَه طَرِيق للضلال الَّذِي هُوَ ضد الْهِدَايَة والعقيدة الصَّحِيحَة، بِخِلَاف التَّقْلِيد فَإِنَّهُ طَرِيق آمن فَوَجَبَ احْتِيَاطًا، ولوجوب الِاحْتِرَاز عَن مَظَنَّة الضلال إِجْمَاعًا (قُلْنَا) إِنَّمَا يكون النّظر

<<  <  ج: ص:  >  >>